محاورات القرآن وجدله
المحاورة : مصدر من (حاور) بمعنى تراجعا الكلام تقول : حاور الرجل صاحبه أى :
راجعه الكلام. كذا فى «المصباح».
وفيه أيضا : جدل الرجل جدلا ، من باب تعب : إذا اشتدت خصومته ، وجادل مجادلة وجدالا : إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب. وفى لسان حملة الشرع :
مقابلة الأدلة لظهور أرجحها ، وهو محمود إن كان للوقوف على الحق وإلّا فمذموم.
والمحاورة : تكون خصومة أو لا ، وكذلك تكون فى مقابلة دليل أو لا. أما الجدل فعلى خلاف المحاورة فى الاثنين. فكل جدل حوار لا العكس. ومن استعمال الحوار فى الخصومة قوله تعالى : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ) (١) ، ومن مقابلة الدليل قصة المجادلة لزوجها فى الظهار ، فى قوله تعالى :
(وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) (٢). ولم يأت الحوار الخالى من الخصومة ومن مقابلة الدليل فى القرآن.
والمحاورة المستعملة فى لغة الكاتبين فى عصرنا لا يكادون يستعملونها فى معنى الجدل ، وكأن الجدل ليس فردا من أفرادها ؛ لأنهم يقصرونه على اللدد فى الخصومة ، مع أن الجدل منه ما هو محمود حسن ، ومنه ما هو مذموم قبيح ، فمن المذموم : جدال الكفار بغير علم وهم أتباع للشيطان فيه ؛ لأنه هو الذى بدأه فى استكبار السجود لآدم قال تعالى فى هذا النوع : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٣) ومن الجدل المحمود الحسن : ما كان مبعثه الرحمة والشفقة ، كما فى قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) (٤) ، والجدال فى نصفة النفس كما فى قصة المرأة المجادلة عن نفسها.
وأعظم الجدل المحمود هو ما كان فى نصرة الحق ودحض الباطل كما فى أمره سبحانه وتعالى لنبيه : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٥) ، إذا كان الخصم ليس لددا مصرا ، أما إذا كان كذلك فيكون الصواب قوله تعالى : (وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) (٦).