مسألة : «نزول القرآن على سبعة أحرف»
هذا الموضوع من أصعب الموضوعات وأشدها على المحدثين وعلماء القرآن ، فإنه على الرغم من رواية الجمّ الغفير من الصحابة لهذه القضية عن النبى صلىاللهعليهوسلم حتى عدّ من روايتها السيوطى فى كتابه «الإتقان» واحدا وعشرين صحابيا (١) ، بل حتى أورد السيوطى فى «إتقانه» رواية أبى يعلى فى «مسنده» الكبير أن عثمان قال على المنبر :
أذكّر الله رجلا سمع النبى صلىاللهعليهوسلم قال : «إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف». لما قام فقاموا ، حتى لم يحصوا فشهدوا بذلك فقال : وأنا أشهد معهم (٢).
نقول : على الرغم من هذا ، فإن أحدا من أولئك الصحابة لم يسأل النبى صلىاللهعليهوسلم عن التحديد الضابط لهذه الأحرف السبعة ، والمعين لها واحدا بعد واحد حتى تبلغ سبعة لا تزيد ولا تنقص ، بل اكتفوا بتصويبه صلىاللهعليهوسلم لكل من المختلفين فى القراءة بقوله : «هكذا أنزلت». ونحوه ، ودفعه لكل نزغة من شك يمكن أن
يوسوس بها الشيطان فى الصدور تجاه هذا التصويب ، بإخباره إياهم أن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، كما هى عادتهم ـ رضوان الله عليهم ـ فى عدم إلحاح المسألة عليه صلىاللهعليهوسلم ، ولا سيما فيما لا تدعو إليه الضرورة.
فمن ثم اختلف الناس فى شأن هذه السبعة الأحرف اختلافا عظيما ، بلغ به ابن حبان خمسة وثلاثين قولا ، عدّ منها القرطبى خمسة فى مقدمة «تفسيره» (٣) ، ثم زاد السيوطى على هذا كله فبلغ فى «إتقانه» بهذا الاختلاف أربعين قولا ذكرها جميعا.
والناظر إلى هذه الأقوال ـ المتشعبة الخلاف فيما بينها تشعبا شديدا ـ نظرة إجمالية ، يجدها بين قائل بعدم انحصار عدد هذه الأحرف فى سبعة ، وإنما الأمر فى هذا هو على التسهيل والتيسير ، ولفظ (السبعة) يطلق على إرادة الكثرة فى الآحاد ، كما يطلق السبعون فى العشرات ، والسبعمائة فى المئين ولا يراد العدد المعين. قال الحافظ فى «الفتح» : (وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه) (٤).
وبين قائل بانحصار العدد فى سبعة بالفعل ، ثم لا يحاول أن يخطو خطوة وراء هذا فى تفسير هذه الأحرف ، بل يقول : هذا