جمع القرآن
ذكر الشيخ غزلان فى كتابه (البيان فى مباحث القرآن) أن جمع الشيء فى اللغة هو :
استقصاؤه والإحاطة به. فجمع القرآن معناه :
استيعابه والإحاطة به. وذلك بطريقتين هما :
حفظه كله ، أو كتابته كله ، فالأولى فى الصدور ، والثانية فى السطور.
وقد وردت الروايات الصحيحة باستخدام لفظ (الجمع) فى التعبير عن الطريقتين : فقد روى عن أنس أنه سئل عمّن جمع القرآن فى عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أى : أتم حفظه. وقول عبد الله بن عمرو : جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة.
ومن الثانى : قول أبى بكر لزيد بن ثابت رضي الله عنه : (تتبع القرآن فاجمعه) أى اكتبه. وقد توفر للقرآن الجمع بنوعيه منذ أول عهده إلى الآن تحقيقا لقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١).
أوّلا : جمع القرآن بمعنى حفظه :
بدأ هذا الجمع من أول نزول القرآن ، وبالطبع كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أول الحفاظ وسيدهم ، وقد تكفل الله ـ سبحانه وتعالى ـ بجمعه له فى صدره قال تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) الآيات الثلاث (٢). فكان يمليه ويقرأ به صلىاللهعليهوسلم فى قيامه ، وكان يعارضه به جبريل فى كل عام مرة.
أما صحابته ـ رضى الله عنهم ـ فكانوا أهل حفظ ، وعربا خلصا ، لهم من صفاء القريحة ما ساعدهم على حفظه ، هذا بجانب حرصهم الشديد على القرآن ؛ لأنه معجزة الله الباهرة ، ومصدر الشريعة ، وحفظه وقراءته وتلاوته لها الثواب والأجر العظيم ، وقد وعد الله ـ سبحانه ـ النبى صلىاللهعليهوسلم بأن يكون الكتاب المنزل عليه لا يغسله الماء ، ففي صحيح مسلم فى كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها فيه :
«وقال : إنما بعثتك لأبتليك وأبتلى بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء ، تقرأه نائما ويقظان». الحديث ؛ ولذا قال الحافظ ابن الجزرى : «إن الاعتماد فى نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على خط المصاحف والكتب ، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة». (٣) ثم بيّن أن أهل الكتب السابقة لم تكن لهم نفس الخصيصة ،