أو عذاب أشفق وتعوذ ، أو تنزيه نزه وعظم ، أو دعاء تضرع وطلب.
فقد روى الإمام مسلم بسنده عن حذيفة ـ رضى الله تعالى عنه ـ قال : «صليت مع النبى صلىاللهعليهوسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها ، ثم النساء فقرأها ، ثم آل عمران فقرأها ، يقرأ مترسلا ، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مرّ بسؤال سأل ، وإذا مرّ بتعوذ تعوذ» (٦).
ومما يعين على التدبر أيضا تكرير الآية وترديدها ، فقد روى النسائى وغيره عن أبى ذرّ ـ رضى الله تعالى عنه ـ قال : قام النبى صلىاللهعليهوسلم بآية يرددها حتى أصبح. والآية : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) (٧).
وعن تميم الدارى ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه كرر هذه الآية حتى أصبح : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٨) (سورة الجاثية آى ٢١) وردد ابن مسعود ـ رضى الله تعالى عنه : (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (سورة طه آية ١١٤) وردد سعيد بن جبير قوله تعالى :
(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) (سورة البقرة آية ٢٨١) إلى غير ذلك من الأقوال فى هذا الصدد.
قال الإمام النووى : «والأحاديث فيه ـ أى فى التدبر والخشوع عند التلاوة ـ كثيرة ، وأقاويل السلف فيه مشهورة. وقد بات جماعات من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح. وقد صعق جماعات من السلف عند القراءة ، ومات جماعات منهم حال القراءة (٩).
١١ ـ تحسين الصوت بالتلاوة :
أجمع العلماء من السلف والخلف من الصحابة والتابعين ـ رضى الله تعالى عنهم ـ ومن بعدهم من علماء الأمصار وأئمة المسلمين على استحباب تحسين الصوت بتلاوة القرآن وتزيينها ، لأن ذلك يؤدى إلى التأثير على النفوس ، ولقول الرسول صلىاللهعليهوسلم :
«زينوا القرآن بأصواتكم» (١٠) ، وفى لفظ عند الدارمى : «حسنوا القرآن بأصواتكم» (١١) ، ولما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبى صلىاللهعليهوسلم قال : «ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت أن يتغنّى بالقرآن» (١٢).
قال ابن كثير : ومعناه أن الله تعالى ما استمع لشىء كاستماعه لقراءة نبى يجهر بقراءته ويحسنها ، وذلك أنه يجتمع فى قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية وذلك هو الغاية فى ذلك ، وهو سبحانه وتعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم ، كما قالت عائشة ـ رضى الله عنها ـ : سبحان الذى وسع سمعه الأصوات.