ولكن استماعه عباده المؤمنين أعظم كما قال تعالى : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) (سورة يونس آية ٦١) ، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ كما دل عليه هذا الحديث العظيم (١٣).
هذا : وقد ضرب لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم المثل الأعلى بنفسه فى تحسين الصوت بالتلاوة ، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : «سمعت النبى صلىاللهعليهوسلم يقرأ فى العشاء : والتين والزيتون ، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه» (١٤).
وفى الصحيحين عن جبير بن مطعم قال :
سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرأ فى المغرب بالطور ، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه ، وفى بعض الروايات : فلما سمعته قرأ : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (٣٥) أم خلقوا السماوات والأرض بل لّا يوقنون (٣٦) أم عندهم خزائن ربّك أم هم المسيطرون (سورة الطور الآيات ٣٥ ـ ٣٧) ، «كاد قلبى أن يطير» (١٥).
ولهذا كان أحسن القراءات ما كان عن خشوع من القلب ، وهذا ما أشار إليه الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذى إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله» (١٦).
١٢ ـ التغنى بالقرآن :
ومن أجل تحسين التلاوة وتزيينها أمر النبى صلىاللهعليهوسلم بالتغنى بالقرآن ، فعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلىاللهعليهوسلم قال : «ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى يتغنى بالقرآن» (١٧).
قال سفيان بن عيينة تفسيره : يستغنى به.
ولكن الإمام الشافعى رحمهالله تعالى ردّ هذا القول وقال : ليس هو هكذا ، ولو كان هكذا لكان يتغانى ، إنما هو يتحزن ويترنم به.
ويؤيد هذا ما جاء فى الرواية الأخرى : «ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» (١٨) ، قال الطبرى ـ رحمهالله تعالى : لو كان معناه الاستغناء لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى.
ومما يؤكد هذا المعنى أيضا ما أخرجه البخارى وغيره عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن» (١٩) ، والمراد بالتغنى بالقرآن تحسين الصوت وتطريبه وتحزينه والتخشع به لما جاء عن أبى موسى رضي الله عنه قال : قال لى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم : «لو رأيتنى وأنا استمع قراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» قلت :
أما والله لو علمت أنك تسمع قراءتى لحبرتها لك تحبيرا» (٢٠).
قال الحافظ ابن كثير بعد أن ذكر هذه