وقوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) (التكوير : ٢٤) قرأه بالضاد نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر وروح عن يعقوب وخلف ، وقرأه الباقون بالظاء (٨٦).
والمعنى على قراءة الضاد : وما هو على الغيب ببخيل بل هو معصوم من البخل بما أنزل إليه من ربه. فهذه القراءة تثبت عقيدة العصمة من الكتمان ، وتثبت وجوب التبليغ ، والأمانة.
والمعنى على قراءة الظاء : وما هو على الغيب بمتهم ، بل هو معصوم من الوهم والخطأ والنسيان ، وكل ما يسبب تهمة له فيما يبلغه من وحى الله تعالى ، فهذه القراءة تثبت عقيدة العصمة فى هذا الشأن ، عقيدة الصدق المطابق للحق بلا أدنى شائبة ، وعقيدة الفطانة المنافية للغفلة ، وما أثبتته القراءتان ثابت بأدلة كثيرة ، ففائدتهما إثباته مرة أخرى ، وتوكيده ، اهتماما به ، وتعميقا له فى نفوس المؤمنين ، مع هذا الإيجاز البليغ المعجز.
ـ وقوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) (البقرة : ١٤٨) قرأها بالياء من عدا ابن عامر ، وقرأه ابن عامر مولاها :
بالألف.
ومعنى القراءة الأولى أن لكل قاصد جهة يتجه إليها ، ويوليها وجهه.
ومعنى القراءة الثانية أن غيره هو الذى يوجهه إليها ، ويوليها وجهه.
والفاعل هنا هو الله تعالى فاعل التولية ، وفاعلها فى القراءة الأولى هو العبد ، فأفادت القراءتان أن الفعل الواحد يصح أن ينسب إلى الفاعل المختار ـ جلّ جلاله ـ وإلى العبد ، وهو كذلك فإنه ينسب إلى الله تعالى إيجادا ، وخلقا ، وإلى العبد تلبسا وكسبا ، أو اكتسابا ، كما هى عقيدة أهل السنة والجماعة.
ـ وللقراءات أثر ضئيل فى كتب علم الكلام ، «كشرح المواقف» ، «والإنصاف» للباقلانى ، «وشرح الفقه الأكبر» للقارى.
وينبغى أن يتناول علم الكلام بين دفتيه القراءات بتوسع ، لوجوب احترامها ، والإيمان بها حرفا حرفا ، فإنها قرآن من القرآن (٨٧).
فى الأحكام الشرعية :
ـ قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (البقرة : ١٢٥) قراءة نافع وابن عامر بفتح الخاء ، وباقى العشرة بكسرها (٨٨).
والقراءة بالفتح تفيد الإخبار عن متبعى سيدنا إبراهيم عليهالسلام بأنهم اتخذوا من الحجر الذى تعرفه الناس اليوم مصلى يصلون عنده (٨٩) ركعتى طواف القدوم ، كما هو فى شريعتنا.