رحمهالله ـ : «بما يراه القلب بعد فكر وتأمل ، وطلب لمعرفة وجه الصواب ، مما تتعارض فيه الأمارات ، فلا يقال لمن رأى بقلبه أمرا غائبا عنه مما يحس به إنه رأيه ، ولا يقال أيضا للأمر المعقول الذى لا تختلف فيه العقول ، ولا تتعارض فيه الأمارات إنه رأى ، وإن احتاج إلى فكر وتأمل ، كدقائق الحساب ونحوها». (٦٦)
معنى التفسير بالرأى :
والتفسير بالرأى يراد به : بيان معانى الآيات القرآنية ، بغير المأثور ، من القرآن ، أو السنة ، أو أقوال الصحابة والتابعين.
التفسير بالرأى قسمان :
المفسر بغير المأثور إن توافرت فيه شروط التفسير وضوابطه ، كان تفسيره محمودا ، وإلا كان مذموما.
فالتفسير بالرأى المحمود هو : ذلك التفسير الذى أعمل فيه المفسر عقله ، للوصول إلى مراد الله ـ تعالى ـ بقدر الطاقة البشرية ، مستعينا فى ذلك بكل الأدوات والشروط والعلوم الواجب توافرها فى مجال التفسير ، على نحو ما بيناه سابقا ، وما سنبينه أكثر لاحقا ـ إن شاء الله ـ أثناء حديثنا عن ضوابط سلامة التفسير.
أما التفسير بالرأى المذموم : فهو ما خالف فيه المفسر تلك الشروط ، ولم يكن ملما بتلك الأدوات ، أو لم يراع تلك الضوابط.
اختلاف العلماء فى جواز التفسير بالرأى المحمود :
اتفق علماء الأمة سلفا وخلفا على منع التفسير بالرأى المذموم ، أما التفسير بالرأى المحمود ، فقد اختلفوا فى جوازه ـ اختلافا حقيقيا لا لفظيا كما فهم بعض الباحثين وبعض المؤلفين ـ إلى فريقين : فريق يمنعه منعا باتا ، مهما كان المفسر ملما بعلوم الأولين والآخرين ، ومتوافرا فيه شروط وأدوات التفسير ، وفريق يرى جوازه لمن توافرت فيه تلك العلوم والشروط والأدوات ، يقول الراغب الأصفهانى : «اختلف الناس فى تفسير القرآن ، هل يجوز لكل ذى علم الخوض فيه؟
فبعض تشدد فى ذلك وقال : لا يجوز لأحد تفسير شىء من القرآن ، وإن كان عالما أديبا متسعا فى معرفة الأدلة ، والفقه ، والنحو ، والأخبار والآثار ، وإنما له أن ينتهى إلى ما روى له عن النبى صلىاللهعليهوسلم ، وعن الذين شهدوا التنزيل ، من الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ أو عن الذين أخذوا عنهم من التابعين ، وذكر آخرون أن من كان ذا أدب وسيع فموسع له أن يفسره ، فالعقلاء والأدباء فوضى (٦٧) فى معرفة الأغراض». (٦٨)