وللسيوطى فى إتقانه عبارة تحمل معنى ما قاله الراغب بالتمام. (٦٩)
وإنما قلنا : إن الخلاف بين الرأيين حقيقى لا لفظى ، لعدة اعتبارات ، على رأسها ما يأتى :
١ ـ العبارتان الصريحتان لكل من الراغب الأصفهانى ، والحافظ السيوطى فى ذلك ، واللتان تنصان صراحة على أن المانعين أرادوا منع أى تفسير بغير المأثور ، بصرف النظر عن كونه بالرأى المحمود أو بالرأى المذموم.
٢ ـ أدلة المانعين ، وردود المجيزين تفيد التعميم ، وسيتضح ذلك التعميم من خلال ما يأتى :
أدلة المانعين ومناقشتها :
استدل المانعون لتفسير القرآن بغير المأثور ـ ولو مع توافر كل الشروط والأدوات والعلوم ـ بأدلة من القرآن والسنة ، وآثار عن الصحابة والتابعين.
الأدلة من القرآن :
١ ـ استدلوا بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف : ٣٣].
حيث قالوا : إن القول على الله بغير علم محرم ؛ لأنه فى الآية معطوف على محرم ، والتفسير بالرأى قول على الله بغير علم ، فيكون محرما.
ويرد على هذا الاستدلال : بأن التفسير بالرأى المحمود ليس قولا على الله بغير علم ، وإنما هو إدراك الطرف الراجح ، باستخدام العلوم التى يحتاج إليها المفسر بعد انعدام العلم اليقينى ، فالقول بغلبة الظن حينئذ يكفى ، (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] بل إن المجتهد حينئذ مأجور ، حتى لو لم يحالفه التوفيق ، كما صح فى الحديث.
٢ ـ واستدل المانعون أيضا بقوله تعالى :
(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء :٣٦] حيث قالوا : التفسير بالرأى قول بغير علم ، فيكون منهيا عنه.
ويرد عليهم فى ذلك بما رددنا عليهم فى استدلالهم السابق.
٣ ـ كما استدلوا بقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] ، حيث قالوا : إنه ليس لغير النبى صلىاللهعليهوسلم أن يتكلم فى شىء من معانى القرآن ، لأن النبى هو المبين له.
ويرد عليهم فى ذلك : بأن الآية ليس فيها