عن نعمه ، وإفلاسه عما يظهر منه ، هذه صفة العلماء بالله.
قوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها
لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) : نبهنا الله سبحانه أن الوصول إلى قربه ووصاله ومراتب
دنوّه في جنان مشاهدته لمن لا يكون له حبّ الرياسة والجاه في قلبه ، ولا يباشر
حظوظ نفسه وهواه ، ومن خصّ بهذه الدرجات الشريفة لا يأتي منه أفعال المخنثين من
أهل الرياء والسمعة ، الذين تركوا الدين بالدنيا وجاهها ، وأفسدوا وجه الأرض
بسالوسهم وناموسهم ، ضرب الله أعناقهم ؛ فإنهم قرناء الشياطين في جهنم ، نعوذ
بالله من شؤم معصيتهم.
قال يحيي بن
معاذ : الدنيا خمر إبليس ، من شرب منها شربة لا يفيق إلا في عسكر القيامة.
وقال ابن عطاء
: العلو النظر إلى النفس ، والفساد النظر إلى الدنيا.
(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ
بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى
إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً
لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ
إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ
الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) : إن الله سبحانه خلق روح المصطفى صلىاللهعليهوسلم بين نورين : نور الجمال ، ونور الجلال ، حين أظهر ذاته
سبحانه ، فوصل نور الذات إلى نور الجمال والجلال ، ثم تجلّى من جميع الصفات والذات
بين الجلال والجمال المكمن غيب الغيب ، فظهر روحه عليهالسلام ، وصار أهلا للقرآن ؛ لأنه كان مخصوصا بأهلية رؤية
الذات والصفات جميعا ، فنزل القرآن على معدن أهلية ، ليأخذه ويرجع به إلى معدنه
الذي بدأ منه ، وهذا معنى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) أي : إن الذي خاطبك بكلامه القديم لرادّك إليه بمراكب
القرآن ، وذلك المعدن معدن التنزيه المنزه عن التشاكل والتباعض والاجتماع والافتراق
، نظر إلى شوقك في قلبك إلى معدنك من عالم الملكوت والجبروت يردك بأنوار صفاته إلى
مشاهدات ذاته ، تعالى الله عن إشارة الزنادقة والثنويين ؛ لذلك قال عليهالسلام : «حبّ الوطن من الإيمان» .
قال الواسطي في
(لَرادُّكَ إِلى
مَعادٍ) قال : مجالسة ليلة المسرى وإلى مخاطبات الروح بالقرآن.
__________________