عليه في جميع الأفعال ، والشقي من زيّن في عينه أقواله وأفعاله ، وافتخر بها وادّعاها لنفسه ، فشؤمه ومهلكه يوما فيوما ، وإن لم يهلكه في الوقت ، ألا ترى الله تعالى كيف حكى عن قارون بقوله (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) نسي الفضل ، وادّعى لنفسه فضلا ، فخسف الله به الأرض ظاهرا ، فكم قد خسف بالأسرار وصاحبها لا يشعر بذلك ، وخسف الأسرار هو منع العصمة ، والرد إلى الحول والقوة وإطلاق اللسان بالدعاوى العريضة ، والعمى عن رؤية الفضل ، والقعود عن القيام بالشكر على ما أولى وأعطى حينئذ يكون وقت الزوال.
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩))
قوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) : بيّن سبحانه في هذه الآية شأن قارون وخروجه بالزينة على أهله ، وهلاك من يخرج على أولياء الله بالدعاوى الباطلة والكبر والرياسة ، لا محالة يسقط من عيون الخلق وقلوبهم بعد سقوطه من عين الحق ، ويخسف أنوار إيمانه في قلبه لا يرى أثرها بعد ذلك ، وأصل الزينة عند العارفين وجوه معفرة بالتراب عليها آثار دموع الشوق والمحبة ، ساجدة على باب الربوبية.
قال ابن عطاء : أزين ما تزين به طاعة ربه ، ومن تزيّن بالدنيا فهو مغرور في زينته.
(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (٨٢) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤))
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ) : وصف الله سبحانه أهل الفقر من الصادقين والعلم من العارفين بمشاهدتهم جمال الغيب وشهودهم مشاهدة الحق مع تصاغر زينة الدنيا في عيونهم ، وإن ذلك المقام لا يناله إلا صابر في بلائه راض في قضائه مشتاق إلى جماله واله في رؤية جلاله.
قال بعضهم : العالم بربه من رؤي دوام نعمته عليه ، وتتابع آلائه لديه ، وقصور شكره