عن الحدثان أجمع ، وعن نفوسهم ومعاملاتهم وأحوالهم وأشخاصهم بنعت التلاشي في وجود الحق وظهور ذاته وصفاته ليكونوا بوصف ما وصف الله حبيبه عند قربه ومداناته بقوله : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) (١٧) [النجم : ١٧].
قال ابن عطاء : أبصار الرءوس عن المحارم ، وأبصار القلوب عما سواه ، وقوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) فيه استشهاد على أن لا يجوز للعارفين أن يبدوا زينة حقائق معرفتهم ، وما يكشف الله لهم من عالم الملكوت ، وأنوار الذات والصفات ، ولا المواجيد إلا ما ظهر منهم بالغلبات من الشهقات والزعقات والاصفرار والاحمرار ، وما يجري على ألسنتهم بغير اختيارهم من كلمات الشطح والإشارات المشكلة ، وهذه الأحوال أشرف زينة للعارفين.
قال بعضهم : أزين ما تزين به العبد الطاعة ، فإذا أظهرها فقد ذهبت زينتها.
وقال بعضهم : الحكمة في هذه الآية لأهل المعرفة أنه من أظهر شيئا من أفعاله إلا ما ظهر عليه من غير قصد له فيه ، فقد سقط به عن رؤية الحق ؛ لأن ما وقع عليه رؤية الخلق ساقط عن رؤية الحق ، قوله تعالى :
(وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣١) قرن التوبة بالإيمان ثم قرنهما بالفلاح ، معناه من رجع إلى الله من نفسه والأكوان وشاهد مشاهد الربوبية فاز من عذاب الفرقة ، وظهر بالمشاهدة والوصلة.
قال الواسطي : التوبة عدم المألوفات أجمع.
قال يوسف : من طلب الفلاح والسلامة والنجاة والاستقامة ؛ فليطلبه في تصحيح توبته ودوام تضرعه وإنابته ؛ فإن تصحيح التوبة تحقيق الإيمان والوصول إلى حقيقة المعرفة قال الله : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً) ، وقد وقع لي هنا إشارة لطيفة أن الله سبحانه طالب المؤمنين جميعا بالتوبة ، ومن آمن بالله ، وترك الشرك ؛ فقد تاب وصح توبته ورجوعه إلى الله ، وإن خطر عليه خاطر أو جرى عليه معصية ؛ فهو في حيز التوبة ، فإن المؤمن إذا جرى عليه معصية ضاق صدره واهتم قلبه ، وقدم روحه ورجع سره ، هذا لعموم والإشارة في الخصوص أن الجميع محجوبون أصل النكرة ، وما وجدوا به من القربة ، وسكنوا بمقاماتهم ومشاهداتهم ومعرفتهم وتوحيدهم أي : أنتم بعد في حجاب هذه المقامات توبوا منها إليّ فإن رؤيتها أعظم الشرك في المعرفة ؛ لأن من ظن أنه واصل ، وليس له حاصل من معرفة وجوده وكنه جلال عزته ؛ فمن هذا وجب التوبة عليهم في جميع الأنفاس ؛ لذلك هجم حبيب الله في