والصفات في الذات ، فمن عين الجمع هو هو ، ومن حيث الحقيقة هو الله ، ومن حيث الفردانية أحيد وحيد لا غير ؛ إذ الغير يفنى في بقائه ، ثم زاد في نبوية فردانيته ، بقوله : (اللهُ الصَّمَدُ) : «الله» : ظاهر بنعوت الجلال والجمال والفردانية والوحدانية ، باطن بالهوية ، «والصمد» : انقطع عن إدراك الخواطر والضمائر ، وغابت في مهمة صفاته الأسرار والأرواح ، وتاهت في تيه هويته القلوب والأشباح ، وهو تنزيه جلاله وصمديته حجبهم من نفسه ، ثم أبرز من نعت صمديته نور تنزيهه ، ونشقهم روائح قدسه وأنسه ، وجعلهم مشتاقين إلى لقائه عاشقين جماله ، فيصمدون إليه بنعت الفناء والبقاء ، فلما علم عجزهم عن رؤية حقيقة هويته وصمديته ووحدانيته وفردانيته تجلّى لهم بنعوت الجمال من لباس الأفعال ، فهاموا بعشقه في بيداء أنوار جماله وجلاله ، سكارى متبسّطين ، وطابوا بكل مستحسن من عالم الأفعال ، فلمّا سكنوا بالمستحسنات ورؤية الجمال في الأفعال أمال أزمن قصودهم إلى فضاء الوحدانية ، وأعلمهم أنه منزّه عن مباشرة الحوادث ، بقوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) أي : لم يكن هو محل الحوادث ، ولم تكن الحوادث محله ، التجلّي ظهور الصفات ، والالتباس ظهورها في الأفعال ، وهو منزّه عن التمثال والجبال ، ألا ترى كيف حقق التوحيد لمن شاهد مشاهدته في أهله ، بقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) : غلط النصارى واليهود والكفرة والمجوس حين رأوا من الأشخاص أنوار الأرواح ، ومن الأرواح سنا روح فعله ، ثم نور صفته ، ووقعوا في ظلمات الحلول حين لم يعرفوا أصل الأصل ، وحقيقة الحقيقة ، وعين العين وفردانية الذات والصفات عن مباشرة الأمثال والتمثال ، سبحان المنزّه بذاته عن رؤية كل راء ، ومعرفة كل عارف ، وتوحيد كل موحد ، وعبادة كل عابد ، وجحود كل جاحد ، وجهل كل جاهل ، ووصف كل واصف ، كلهم في نكرة النكرة ، معزولون من حقيقة المعرفة.
قال ابن عطاء : «الهاء» : تنبيه عن معنى ثابت ، و «الواو» : إشارة إلى ما لا يدرك حقائق نعوته وصفاته بالحواس ، و «الأحد» : المتفرد الذي لا نظير له ، و «التوحيد» : هو الإقرار بالوحدانية ، و «الأحدية» : هى الانفراد.
وقال الواسطي : «هو» : حرف ليس باسم ولا وصف ، ولكنّه كناية ، وإشارة كناية عن الذات ، وإشارة إلى الذات ، علم الحق من يلحد في الأسماء والصفات ، ويفرّق بين الصفة والموصوف ، فقال : لا يكون فرقا بين هويته ، وهو ذاك لم يكن فرقا بين هويته ، ولم يكن فرقا بين أسمائه وصفاته.
قال ابن عطاء : (هُوَ اللهُ أَحَدٌ) : هو المنفرد باتحاد المفقودات ، والمتوحد بإظهار الخفيّات.