ناظرة إلى ربها ، فيدعون إلى السجود من حيث غشيتهم أنوار العظمة حتى لا يحترقون في كشف ستر الصفة ، فإنها موضع العظمة والكبرياء ، وبدو لطائف أنوار أسرار الذات ، يظهر في لباس الالتباس حتى لا يفينهم فناء لا بقاء بعده ، والمقصود منه زوائد المحبة ، والنظر إلى وجود العظمة.
قال جعفر : إذا التقى الولي مع الولي انكشفت عنه الشدائد.
(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧))
قوله تعالى : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٤٤) : وصف الله سبحانه في حقيقة الإشارة أهل السكر في المشاهدة ، إذا وصلوا محض الاتصاف والاتحاد غابوا في غيبتة ، واستغرقوا في بحار ألوهيته ، وفنوا من أوصاف الحدوثية بعد انتعاتهم بنعوت الألوهية ، وصاروا باقين بنعته لا يرون وصفهم ، ويرون وصف الحق ، فكادوا أن يخرجوا بدعوى الأنائية ، فإن الله سبحانه سيأخذ أنوار شموس الذات ، وأقمار الصفات عن عيون أرواحهم قليلا ، قليلا ، وهم لا يعلمون من غلبة سكرهم وحلاوة أحوالهم حتى يغيب أنوار الغيب عن أبصار أسرارهم ، ويبقيهم في عرصات الصحو حتى يروا أنفسهم في مقام الغيبة والاستتار.
قال الواسطي : لو كشف للخلق لصاروا حيارى ، ولكن يبدأهم بالتلبيس والسر ، ثم يكشف ؛ ليعرفوا قدر ما هم عليه ، وأما الغاية فهو الاستدراج.
قال أبو الحسين بن هند : «المستدرج» السكران ، والسكران لا يصل إليه ألم فجع المصيبة إلا بعد إفاقته ، فإذا أفاقوا من سكرتهم خلص إلى قلوبهم ذلك ، فانزعجوا ولم يطمئنوا ، و «الاستدراج» : هو السكون إلى الذات ، والتنعم بالنعمة ، ونسيان ما تحت النعم من المحن ، والاغترار بحلم الله عزوجل.
قال أبو سعيد الخراز : «الاستدراج» : فقدان اليقين ؛ لأن باليقين تستبين فوائد باطنه ، فإذا فقد اليقين فقد فوائد باطنه ، واشتغل بظاهره ، واستكثر عن نفسه حركاته وسعيه لغيبوبته عن المنة.
قال بعضهم : لولا الاستدراج لا يخلو العبد منه في وقت من الأوقات ، ولولا الاستدراج لما عرف العبد طعم الكرامة ، ولما انزجر عن العقوبة ، فبالاستدراج يعرف العقوبة ويخلق المقت ، وبالانتباه يعرف النعمة ويرجو القربة.
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ