الملكوتية التي خرجت من العدم بكشف نور القدم ، ونداء الأزل ، وندائي للقلم حين قلت بعدما أوجدته اكتب ما هو كائن إلى الأبد ، وبهذا القلم النوري ، وما يسطرون أهل قربي من خطابي أي : بهذه الأقسام المباركة يا حبيبي يا قرة عيون العارفين ، وبنون حاجبيك ، وقلم لسانك ، ولوح وجهك ، وما يسطرون كتبته أنوار تجلاتي من عجائب سنا كشف جمالي في جمالك لنظر هلال جلالك وجمالك.
(ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (٣) ، أي : لست باصطفائيتك ، ونعمة ربك من النبوة والولاية ، مثلما يزعمون هؤلاء الظلمة ، بل أنت سيد حبيب صفيّ نبيّ مرسل ، رغم أنف الكفرة.
قال سهل : «النون» : اسم من أسماء الله ، وذاك أنه إذا جمعت أوائل هذه السور الثلاث «الر» ، و «حم» ، و «ن» يكون الرحمن.
وقال جعفر : نور الأزلية الذي اخترع منه الأنوار كلها ، فجعل ذلك لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فلذلك قيل له : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤) أي : على النور الذي خصّصت به في الأزل.
وقال بعضهم : «النون» : نور القدرة ، و «القلم» القضاء ، و «ما يسطرون» : الملائكة كرام الكاتبين.
قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) (٣) : بيّن له الأجر ، وليس أجره في مقابلة فعله ، وليس هو بناظر إلى فعله وإلى شيء من الأعراض ، ارتفع قدره عن ذلك لما وصفه الله في شهوده جمال الحق ، بألا يميل إلى غيره بقوله : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) ، فأجره : قرب الله ووصاله ، وكشف جماله له أبدا ، وذلك غير محتجب عنه ، وأيضا أجره : قبول شفاعته غير منقطع شفاعته لأهل الكبائر من أمته ، لا يخيب رجاءه في غفرانهم جميعا بلا عتاب ولا عذاب.
قال سهل : غير محدود لما لم يطالع الأعواض ، ولم يعتمد على شيء سوانا ، كأن ذلك أجر غير ممنون ، وهو ما شهدت من المشاهد والمواقف.
قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤) ، أي : ألبستك خلقي ، فأنت على خلقي ، وخلقي عظيم ، ومن عظم خلقي أنه نعتي ووصفي ألبسته إياك ، وخصصتك بحمله ، فإن حمله لا يأتي من غيرك من العرش إلى الثرى ، فإن بخلقك ذقت طعم شهود مشاهدتي ، فيسهل عليك جريان القضاء والقدر ، فأنت تشاهدني بنعت تحملك أثقال أمري فيك ، فطابت خلقك من خلقي في خلقي.
قال الواسطي : هو لباس النعوت ، والتخلّق بأخلاقه ؛ إذ لم يبق للأعراض عنده خطر.
قال الحسين : معناه : أنه لم يؤثر فيك جفاء الخلق بعد مطالعة الحق.