قال بعضهم : «الخشية» تصيب القلب ، و «السر» و «الخوف» تصيب البدن.
قوله تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٤) : فيه وعيد لمن يضمر في خاطره ما لا يليق بالحق ، وكيف يخفى ما في القلب والعيوب من المعيبات المكنونة ، وهو موجدها ابتداء ، وعالم بها انتهاء ؛ لأنه من لطفه محيط بما في القلوب ، خبير بما يجري في الصدور.
قال الواسطي : حجب الأشياء عن الوقوف على حقائقها ، واستبعد بمعرفة الحقائق ، فقال : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ.)
قال ابن عطاء : ألا يعلم من خلق الصدور ، وما يحدث فيها من حوادث العوارض.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) : ذلّل للأرواح أرض القلوب يمشي في مناكب أسرارها ، وأقطار عقولها ، وسبيل أنوارها إلى عالم الغيوب ، فتأكل منها موائد المعارف ، وأثمار الكواشف.
قال سهل : خلق الله الأنفس ذلولا ، فمن أذلّها مخالفتها فقد نجّاها من الفتن والبلاء والمحن ، ومن لم يذللها واتبعها أذلته نفسه وأهلكته.
(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠))
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) : إشارة إلى طيور الأرواح القدسية التي تطير في هواء الأزل والأبد بأجنحة الشوق والمحبة باسطات أجنحتهن ببسط الأنس ، قابضة لها برؤية عظمة القدس ، فهناك محل القبض والبسط ، ولولا فضله وكرمه لتفنى في بروز سبحات ذاته ، وتسقط من هواء هويته إلى أرض قهره.
قال الله : (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ.)
قال الجريري : أشار الحق إلى أن يتوكل عليه الأولياء ، ويسكن إليه الأصفياء ؛ لأن الطيور لما صفا توكلهن على الحق طيّرهن في الهواء ، وقبض أجنحتهن ، وأمسكها صافات على ذكر الله ، فإذا توكل عليه الوليّ شوقا إلى الملك الأعلى طيّره بجناح الأنس في هواء المحبّة ، وأجلسه على بساط المعرفة ، ويقبضه الحق بقدرته ، ويمسكه بعواطف رحمته.