(أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤))
قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى) : شبّه الله صاحب النفس الذي يمشي قلبه في ظلماتها لا تدري أين تمشي كالأعمى الذي يتخبط تخبط العشواء في الظلمات.
وقال : هو أهدى أمّن تمشي روحه في طرق الملكوت ، بنعت المعرفة والنيران في أنوار المشاهدة.
قال سهل : (مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) ، أي : مطرق إلى هوى نفسه بحبلة خلقه بعد هدى من ربه.
(أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) ، يعني : المؤمن المهتدي على صراط مستقيم ، أي : على شريعة طرق التوحيد.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠))
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) : بقي مكنون علمه فيما جرى في الأزل عن الخليقة ، وإن كان صدّيقا ، أو نبيّا مرسلا ، أو ملكا مقربا ، فيكون عنهم مستورا ، كما كان في سر الأزل قبل الخلق ، ولو أمعنت النظر يا صاحبي في العلم ، فإن حقيقة العلم منفية عن الخلق ؛ إذ الخلق لا يعلم حقيقته ، فإن حقيقة علم الأشياء لمنشئها لا غير ، وذلك قوله تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) ، أثبت العلم بالحقيقة لنفسه.
قال يحيى بن معاذ : أخفى الله علمه في عباده عن عباده ، فكلّ يتبع أمره على جهة الإشفاق ، لا يعلم ما سبق ، وبماذا يختم له ، وذلك قوله : (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ.)