بجريان قدرته الواسعة فيها ، فإذا كانت كذلك في إدراك خلقه ، فكيف تشاهد جلال القدم ، والأبصار ، والبصائر ، والقلوب ، والأرواح ، والعقول فانية حسيرة في أول سطوة من سطوات عظمته ، راجعة عنها خاسئة ، ولا يبقى عليها من العلم والعرفان.
قال الواسطي : (كَرَّتَيْنِ) ، أي : القلب والبصر ؛ لأن الأول كان بالعين خاصة ، (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (١) : إذا لم يكن في خلقي فطور ، فأنا أشدّ امتناعا من الاستغراق والاستحراق.
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١))
قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) ، أي : لو سمعنا خطاب الأزل شفاها في مشاهدته وعلمنا حقيقته ما كنا من أصحاب البعد والحجاب.
قال بعضهم : لو سمعنا موعظة الواعظين أو عقلنا نصيحة الناصحين لاتبعناهم فيما أمروا به ، ولما كنا إذا في أصحاب السعير.
(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) : وصف الله معرفة العارفين به قبل رؤيتهم مشاهدته ، فإذا عاينوه استفادوا من رؤية علم المعاينة ، وهى المعرفة الحقيقة ، وخشوا منه في غيبة منه ، وهى خشية القلب ، فلمّا رأوه زاد على الخشية الإجلال ، وهو علم الروح والسر.
__________________
(١) يقال : فطره فانفطر أي شقه فانشق والمعنى من شقوق وصدوع لامتناع خرقها والتئامها قاله القاشاني ولو كان لها فروج لفاتت المنافع التى رتبت لها النجوم المفرقة في طبقاتها أو بعضها أو كمالها كما في المناسبات فإذا لم ير في السماء فطور وهى مخلوقة فالخالق أشد امتناعا من خواص الجسمانيات.