(بِيَدِهِ الْمُلْكُ) : يقلبه بحوله وقوته ، يؤتيه من يشاء ، وينتزعه ممن يشاء ، وهو القادر عليه جلّ وتعالى.
وقال جعفر : أي : هو المبارك على من انقطع إليه ، أو كان له.
قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) ، الموت والحياة عرضان ، والأعراض والجواهر مخلوقة له ، وأصل الحياة : حياة تجلّيه ، وأصل الموت : موت استتاره ، وهما يتعاقبان للعارفين في الدنيا ، فإذا ارتفع العجب يرتفع الموت عنهم ، بأنهم يشاهدونه عيانا بلا استتار أبدا ، ولا تجري عليهم طوارق الحجاب ، بعد ذلك قال الله : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ، خلق الموت والحياة ، يميت قوما بالمجاهدات ، ويحيى قوما بالمشاهدات ، يميت قوما بنعت الفناء في ظهور سطوات القدم ، ويحيى قوما بنعت البقاء في ظهور أنوار البقاء ، (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، لولا التجلي والاستتار لا يظهر شوق المشتاقين في تفاوت درجات الشوق ، ولا يتبين وله العاشقين وتفاوت درجاتهم في العشق ، هو «العزيز» يمنعه الجمهور عن الوصول إلى حقيقة ذاته وصفاته ، وهو «الغفور» بأن ينعمهم بكشف مشاهدته ، ويتجاوز عن قصور قصودهم في الشوق إليه.
قال سهل : «الموت» في الدنيا بالمعصية ، و «الحياة» في الآخرة بالطاعة في الدنيا ، بقوله : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، أي : الذي يدركه التوفيق ، فيحييه بالطاعة ، ويبعده عن المعصية.
وقال : «العزيز» : المسيع في ملكه ، «الغفور» : يستره بجوده.
قال الجنيد : حياة الأجسام مخلوقة ، وهي التي قال الله : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) ، وحياة الله دائمة لا انقطاع لها ، أوصلها إلى أوليائه في قديم الدهر الذي ليس له ابتداء بمراده.
قيل : إن خلقهم فكانوا في علمه أحياء ما هم قبل إيجادهم ، ثم أظهرهم فأعادهم الحياة المخلوقة التي أحيى بها الخلق ، وأماتهم بسره فكانوا في سره بعد الوفاة كما كانوا ، ثم أورد عليهم حياة الأبد ، فكانوا أحياء ، فاتصل الأبد بالأبد ، فصار أبدا في أبد في أبد الأبد.
وقيل : «حسن العمل» : نسيان العمل ، ورؤية الفضل.
قال الواسطي : من أحياه الله عند ذكره في أزله لا يموت أبدا ، ومن أماته في ذلك لا يحيى أبدا ، وكم حيّ غافل عن حياته وميت غافل عن مماته.
قوله تعالى : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ) : حارت الأبصار والبصائر عن إدراك مائية استواء أفعاله ؛ لأنها عاجزة عن اللحاق