مدبرين عنه إلى شيء من دونه ، حتى وصلوا إلى حقيقة الاستقامة في القلوب مع الله ، ولا يقدر أن يلتفت إلى شيء سوى الله.
قال الشيخ أبو عبد الله بن خفيف : طالب عباده بالتوبة ، وهو الرجوع إليه من حيث ذهبوا عنه ، والنصوح في التوبة : الصدق فيها وترك ما منه ، تاب سرّا وعلنا قولا وفكرة.
وقال الواسطي : التوبة النصوح لا تبقي على صاحبها أثرا من المعصية سرّا وجهرا.
وقال : من كانت توبته نصوحا لم يبال كيف أمسى وأصبح.
قوله تعالى : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) : لا يخزي النبي أمته بذل الحجاب ، وسوء الحساب ، والتغيير ، والعتاب ، بل يكون برضاهم ، ويعطيهم مأمولهم ، ويقبل شفاعتهم لأهل الكبائر وللهالكين ، ولا يردّ عليهم ما يسألون منه من نجاة الخلق ، ويلبسهم أنوار قربه ووصاله ، ويدخلهم في حجال أنسه ، ورياض قدسه.
قوله تعالى : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) : يستزيدون منه نور القرب بقوله : (يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا) ، أي : من نورك حتى نفنى بك ، ونبقى معك أبد الآبدين.
قال بعضهم في قوله : (لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَ) ، لا يردّ شفاعته في أمته ، والذين آمنوا لا ترد شفاعتهم في إخوانهم وأقربائهم.
وقال ابن عطاء في قوله تعالى : (يَسْعى نُورُهُمْ) إنما هي أنوار نور التوحيد ، ونور المعرفة ، ونور الحقيقة ، يسعى بهذه الأنوار إلى محل القرار.
وقال بعضهم في قوله : (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) : لا تقطعنا بك عنك ، وكن دليلنا منك عليك حتى تتم لنا الأنوار ، فإن تمام النور بإتمام المنور له.
وقال سهل : لا يقسط الافتقار إلى الله عن المؤمنين في الدنيا والآخرة ، وهم في العقبى أشد افتقار إليه ، وإن كانوا في دار العز والغنى ؛ لشوقهم إلى لقائه يقولون ربنا أتمم لنا نورنا.
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢))
قوله تعالى : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) : ظهر فيه نور الفعل ، ثم ظهر في نور الفعل نور الصفة ، وظهر في نور الصفة نور الذات ، وكان بنور الذات والصفات حيّا موصوفا