حُدُودُ
اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ
اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ
عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ
يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ
شَيْءٍ قَدْراً (٣) وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ
ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ
وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ
اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤) ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ
إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ
أَجْراً (٥))
(يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) : خصّ حبيبه بالخطاب ، وجمع الكل في مضمونه ؛ لأن السيد
إذا خاطب خاطب الكل ، فبان شرفه على الجمهور ؛ إذ جمع الجمع في اسمه ، وفيه إشارة
الاتحاد ، ومراد الحق سبحانه في تأديب العباد بتطليق نسائهم في زمان الطهر أداء
وفاء الصحبة ، ومراعاة ما مضى من زماني الوصلة والاهتمام بالفرقة.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ
ظَلَمَ نَفْسَهُ) : إن الله حدّ الحدود بأوامره ونواهيه ؛ لنجاة سلاكها ،
فإذا تجاوز عن حدوده يسقطون عن طريق الحق ، ويضلون في ظلمات البعد ، وهذا أعظم
الظلم على النفوس ؛ إذ منعوها من وصولها إلى الدرجات والقربات.
قال إسماعيل بن
نجيد : التهاون بالأمر من قلة المعرفة بالأمر.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) تفسيره بلسان الإشارة أن العارف الصادق الشاهد جلال
الحق تبقى منه بألا يصل إليه ؛ لأن نعوته الأزلية ممتنعة من مطالعة الخليقة ،
فيتقيه من فقدانه ، فهو تعالى إذا رآه في يأس من الوصول إلى القدم ألبسه نعوته ،
وأوصله إليه به ، وذلك ما جعل له مخرجا مما فيه من خوف الفقدان ، ويرزقه ذوق الدنو
من حيث لا يحتسب إنه يستحق ؛ لذلك فهو تعالى محمود الكرم لا يخيّب رجاء القاصدين
إليه ، ثم بيّن أن من ألقى زمام الإرادة لإرادته في طلبه ويطرح من بين يديه ويعتمد
بقوله عليه فهو تعالى يكفي له مأموله منه ، ويرضيه بنفسه من نفسه بحيث يستكمل
العبد مراده منه ، وذلك قوله : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ
عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ، ومن أدقّ الإشارة أن الله سبحانه يقول : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) ، ولم يقل «ومن يتق من عذابه» ، أو «يتق من شيء دون
نفسه» ، فخصّ التقوى أن يكون من نفسه خاصة ، وذلك إذا كان يتجلى بجلاله