المأكل والملابس ، ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمه عليه ، والقيام بشكره ، ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب والغيبة والبهتان ، ويشغل قلبه عن التفكر والمراقبة بتدبير الدنيا وجمعها ، ويمنعه أكل الحلال ويرزقه الحرام.
(كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١))
قوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) أي : كتب على نفسه في الأزل أن ينصر أولياءه على أعدائه من شياطين الظاهر والباطن ، ويعطيهم رايات نصرة الولاية ، فحيث تبدو راياتهم التي هي سطوع نور هيبة الحق من وجوههم صار العدو مغلوبا بتأييد الله ونصرته.
قال أبو بكر بن طاهر : أهل الحق لهم الغلبة أبدا ، ورايات الحق تسبق الرايات أجمع ؛ لأن الله جعلهم أعلاما في خلقه ، وأوتادا في أرضه ، ومفزعا لعباده ، وعمارة لبلاده ، فمن قصدهم بسوء أكبّه الله لوجهه ، وأذلّه في ظاهر عزه ؛ لذلك قال جلّ من قائل : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي.)
(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢))
قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) : وصف الله المؤمنين المخلصين في إيمانهم الصادقين في محبتهم وإرادتهم قرب الله وقرب أوليائه أنهم لا يحبون غير من يقبل بكلّيته على الله ، ولا يطيقون أن ينظروا إلى وجوه المخالفين لأمر الله ، وإن كانوا آباءهم أو أبناءهم ؛ لأنهم آثروا الله على من دونه ، وذلك بأن الله غرس أشجار التوحيد والمعرفة في قلوبهم ، وتجلى لأرواحهم من نفسه ، فصار معنى حقيقة التجلي منفق شافي نفس أرواحهم وعقولهم بقوله : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (١) : كتب بصفاته في قلوبهم بنعت ظهورها في قلوبهم ، فعرفتها القلوب
__________________
(١) وهو الصدق في الطلب وحسن الإرادة المنتجة من بذر يحبهم ويحبونه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وإلا فمن خصوصية طبيعة الإنسان أن يمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية وإن كانوا يصلون ـ