(إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠))
قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ) : هذا شيطان يناجي النفس الأمّارة ، ويزين لها المعارضات والشك ؛ ليحزن القلب والروح من نجواهما وإلقاء العدو وهواجس النفس ، ويتقاعدان من شؤم معارضتهما والحزن وضيق الصدر من الطيران والسيران في عالم الملكوت ، ونجواهما لا تضر بالروح والقلب ؛ فإنهما محروسان برعاية الحق وتأييده (١).
قال سهل : هو إلقاء من العدو إلى نفس الطبع ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «للملك لمة وللشيطان لمة» (٢).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١))
قوله تعالى : (فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) أي : وسّعوا بساط قلوبكم ومجالس صدوركم من ضيق الحدوثية ، وتضائق النفوسية لموارد تجلي القدم بنعت ألا يبقى لغير نظر الحق شيء دون الحق ، يفسح الله لكم بساط قربه ، ومجالس أنسه وحجال قدسه.
قال فارس : وسّعوا لقبول الحق ، يمنّ الله عليكم بالحقيقة.
قوله تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) : الإيمان محل المشاهدة ، والمشاهدة محل العين ، والعلم عين المعرفة ، فصاحب عين العلم وصاحب عين المشاهدة في درجات ، فإذا كان مع العلم عين فالعلم مع العين أقوى من العين بلا علم ، وذلك العلم يكون بعد العين ، فإذا كان قبل العين ليس بعلم حقيقي ، إنما حقيقة العلم ما يستفاد من المشاهدة والعين لذلك.
قال : (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) : وفيه إشارة أخرى أن لأهل العلم درجات ، وليس لأهل العين درجات ؛ إذ لا يبقى لهم مسلك في القدم لتلاشيهم فيه.
__________________
(١) النجوى من تزيين الشيطان ليحزن الذين آمنوا. وإذا كانت المشاهدة غالبة ، والقلوب حاضرة ، والتوكل صحيحا ؛ والنظر من موضعه صائبا فلا تأثير لمثل هذه الحالات ، وإنما هذا للضعفاء ، تفسير القشيري (٧ / ٣٩٩).
(٢) رواه الطبراني في الكبير (٩ / ١٠١).