فإنك لا تدري ما قدّر الله فيك وقضى.
وقال الواسطي : الفرح من الكرامات من الاغترارات ، والتلذذ بالأفعال نوع من الإغفال والخمود تحت جريان الأمور زين لكل مأمور ، قال الله : (لِكَيْلا تَأْسَوْا) إلخ.
وقال : العارف مستهلك في كنه المعروف ، فإذا حصل مقام المعرفة لا يبقى عليه فضل فرح ولا أساء ، قال الله تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) إلخ.
(ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧))
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) (١) : وصف الله هاهنا أهل السنة وأهل البدعة ، أهل السنّة أهل الرأفة والرحمة ، وأهل البدعة أهل الرهبانية المبتدعة من أنفسهم ، ووصف الله قلوب المتمسكين بسنة الأنبياء بالمودة والشفقة في دينه ومتابعة رسوله ، تلك المودة من مودة الله إياهم ، وذلك بالرحمة من رحمة الله عليهم ؛ حيث اختارهم في الأزل ؛ لأنهم خلفاء الأنبياء وقادة الأمة ، ووصف الله المتكلّفين الذين ابتدعوا رهبانية من أنفسهم مثل ترك أكل اللحم والجلوس في الزوايا للأربعين عن الإتيان إلى الجمعة والجماعات ؛ لأجل قبول العامة بأنهم ليسوا على الطريق المستقيم ، بل هم متابعون شياطينهم الذين غرّتهم في دنياهم بأن زيّنوا في قلوبهم المحالات والمزخرفات ، وما كتب الله عليهم الابتغاء رضوان الله ، ورضوان الله هو الشريعة والطريقة الأحمدية المحمدية صلىاللهعليهوسلم ، ثم وصف لهؤلاء بأن ما ابتدعوها من الرهبانية والمجاهدة والرياضة إذا كانت بغير متابعة السنة صارت متروكة.
قال الله تعالى : (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) حيث خرجوا من طريق السنّة ، وهكذا حال جهلة زماننا الذين طلبوا الرياسة بالزهد والتعلم والتذكر على رؤوس المنابر ، وقولهم الزور والبهتان ، وطعنهم في الأولياء ، فلما فضحهم الله عند الخلق بما في صدورهم من حب الجاه والمال تركوا رهبانيتهم ، ورجعوا إلى ما هم فيه ، والرعاية عند العارفين محافظة الحال عن
__________________
(١) وذلك أنه لما كثر المشركون وهزموا المؤمنين وأذلوهم بعد عيسى ابن مريم عليهالسلام واعتزلوا واتخذوا الصوامع فطال عليهم ذلك ، فرجع بعضهم عن دين عيسى ، عليهالسلام ، وابتدعوا النصرانية ، تفسير مقاتل (٣ / ٣٢٧) بتحقيقنا.