وحسن المعرفة على موافقته.
(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤) لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦))
قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) : يا عجبا من كان قادرا أن يوصل العباد إليه بلا مصيبة ولا تعب فكيف يصيبهم المصيبة؟ أراد أن يعرّفهم بامتحان القهر حقائق الربوبية ، وأن يعرّفهم غرائب الطريق إليه حتى عرفوه بجميع الصفات ، وشاهدوا جميع النعوت ، ولولا ذلك لما عرفوه بالحقيقة في معرفة غيره ، فمن سمع هذا الخطاب ينصرف نظره من المصيبة إلى سوابق الامتحان حتى يكون برؤية السبق شاهد الحق راضيا بقضائه ، صابرا في بلائه ؛ لأنه هناك يحتمل البلاء برؤية المبلي.
قال الجنيد : من عرف الله بالربوبية ، وافتقر إليه في إقامة العبودية ، وشهد بسره ما كشف الله له من آثار القدرة بقوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ) إلا به فسمع هذا من ربه وشهد بقلبه وقع في الروح والراحة وانشرح صدره وهان عليه ما يصيبه ، ثمّ زاد سبحانه في تأكيد طلب الرضا من عباده ويقينهم باختياره لهم والصبر في بلائه بقوله : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) : طالب الله بهذه الآية أهل معرفته بالاستقامة والإنصاف بصفاته ، أي : كونوا في المعرفة بألا يؤثر فيكم الفقدان والوجدان والقهر واللطف والاتصال والانفصال والفراق والوصال والكفر والإيمان والطاعة والعصيان ؛ لأن من شرط الاتّصاف ألا تجري عليه أحكام التلوين ، والاضطراب في اليقين والاعوجاج في التمكين ، لا تأسوا على ما فاتكم من معرفة الأزل ؛ فإن الأزل للأزل لا لأنفسكم ، فإذا سقط الأسف لا تفرحوا بما تجدون من الأبد ؛ فإن الأبد للأبد ، وأنتم معزولون من كلا الطرفين ؛ فإن الحقيقة ترجع إلى العلة.
قال سهل : في هذه الآية دلالة على حال الرضا في الشدة والرخاء.
وقال القاسم : ما فاتكم من أوقاتكم ، ولا تفرحوا بما آتاكم من توبتكم وطاعتكم ،