عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠))
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ) أي : الذين شاهدوا الله بالله بنعت المعرفة والمحبة ، وتابعوا رسوله بالصحبة ، والمعرفة بشرفه وفضله ، والانقياد بين يدي أمره ونهيه ، أولئك هم الصديقون ؛ لأنهم معادن الإخلاص واليقين ، وتصديق الله في قوله بعد أن شاهدوه مشاهدة الصديقية التي لا اضطراب فيها من جهة معارضة النفس والشيطان ، وهم شهداء الله تعالى ، مقتولون بسيوف محبته ، مطروحون في حجر وصلته يحيون بجماله ، يشهدون على وجودهم بفنائه في الله وبفناء الكون في عظمة الله ، وهم قوم يستشرفون على هموم الخلائق بنور الله ، يشهدون لهم وعليهم بصدق الفراسة ؛ لأنهم أمناء الله ، خصّهم الله بالصديقية والشهادة والولاية والخلافة.
وقال أبو علي الجوزجاني : الصديقون حزب الله ، خواصهم أهل المعرفة ، وأوساطهم العقلاء.
وقال : قلوب الأبرار معلقة بالملكوت مقبلين ومدبرين ، وقلوب الصديقين معلقة بالرب مقبلين بالله ولله.
(سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١))
قوله تعالى : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) : دعا المريدين إلى مغفرته بنعت الإسراع ودعا المشتاقين إلى جماله بنعت الاشتياق والأشواق ، وقد دخل الكل في مظنة الخطاب ؛ لأن الكل قد وقعوا في بحار الذنوب حين لم يعرفوه حق معرفته ، ولم يعبدوه حق عبادته ، دعاهم جميعا إلى التطهير في بحر رحمته حتى صاروا متطهرين من غرورهم بأنهم عرفوه ، فإذا وصلوا عرفوا أنهم لم يعرفوه ، فيأخذ الله بأيديهم بعد ذلك ، ويكرمهم بكشف جنان قربه وفراديس مشاهدته ، ولولا رحمته وغفرانه لهلكوا جميعا في أول بوادي سطوة غرته ، لكن أغفلهم عنه فيه حتى يبقوا ، ولو رفع عنهم غطاء الغفلة والجهل به في مشاهدته لهلكوا جمعيا حسرة من فقدان الحق والحقيقة.
قال الحسين في هذه الآية : لما باشرت هذه المخاطبة العقول نهضت مستحضة للجوارح بحسن التوجه ؛ لإقامة مائة يحطون عند من استجابوا لدعوته ، فظنوا لإشارته ، وأقاموا تحت العلم بقربه ، وقرت عيونهم بما أورد على قلوبهم بالسرور بالخلوة ، جلاسا إناسا أكياسا لا يرهبون في الطريق إليه غيره ، ولا يتوسلون إليه الأبد ، ولا يسألونه شيئا غير التمتع بخدمته ،