يمشون إلى الله بنور الله ، فعند ذلك النور تخضع له الأكوان ، ومن فيها من الموافق والمخالف ، فالموافق يستبشر برؤيته فيعظّمه ، والمخالف يفزع منه فيها ، وهذه الأنوار معه في الدنيا والآخرة.
قال سهل : نور المؤمن يسير بين يديه وهيبته له في قلوب الموافق والمخالف ، فالموافق يعظّمه ويعظّم شأنه ، والمخالف يهابه ويخافه ، وهو من نوره الذي جعل الله لأوليائه لا يظهر ذلك النور لأحد إلا اتقى له وخضع ، وذلك من نور الإيمان.
وقال الأستاذ : كما أن لهم في العرصة هذا النور ، فاليوم لهم في قلوبهم وبواطنهم نور يمشون في نورهم يهتدون به في جميع أحوالهم.
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨))
قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) :
هذا لقوم من ضعفاء المريدين الذين في نفوسهم بغايا الميل إلى الحظوظ حتى يحتاجوا إلى الخشوع عند ذكر الله ، وأهل الصفوة احترقوا في الله بنيران محبة الله ، لو كان هذا الخطاب للأكابر لقال : «أن تخشع قلوبهم لله» ؛ لأن الخشوع لله موضع فناء العارف في المعروف ، وإرادة الحق بنعت الشوق إليهم ، فناؤهم في بقائه بنعت الوله والهيجان والخشوع للذكر موضع الرقة من القلب ، فإذا رقّ القلب خشع بنور ذكر الله لله ، كأنه تعالى دعاهم بلطفه إلى سماع ذكره بنعت الخشوع والخضوع والمتابعة بقوله والاستلذاذ بذكره حتى لا يبقى في قلوبهم لذة فوق لذة ذكره.
قال سهل : لم يحن لهم أو أن الخشوع عند سماع الذكر ، فشاهدوا الوعد والوعيد مشاهدة الغيب.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ