وسيدهم الصدّيق الأكبر ، وهم الذين لم يرثوا الدنيا على الآخرة ، بل بذلوها ولم يعرجوا عليها ، واعتمدوا في ذلك ربهم ، وطلبوا رضاه وموافقة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فخصّهم الله من بين الأمة بقوله : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ.)
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١))
قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) : شكا الله بهذه الآية من طباع الخليقة المجهولة بالبخل ، حيث سأل منهم القرض ، ولو كانوا على محل التقديس لخرجوا من وجودهم له قبل سؤاله ، ومع ذلك القرض الحسن ما أعطاه بنعت الخجل مما بذل فأين حسن الإيمان؟ يعرف إن العبد وما ملك لسيده ، فكيف يقرضه وهو وماله له ، فمن عرف نفسه بالعبودية ، وعرف أن الكل له فما يعطي بعد ذلك ، فهو القرض الحسن.
قال سهل : أعطى الله فضلا ، ثم سألهم قرضا وقال : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً.)
قال الواسطي : القرض الحسن للعوام ، وللخاص الخروج عن جميع الأملاك عن طيبة النفس والرضا كأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥))
قوله تعالى : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ) (١) : إن الله سبحانه ألبس العارفين نور عظمته وكبريائه ، وأسبل على وجوههم سنا هيبته وضياء بهائه ، وجعلهم مشكاة أنوار تجليه ، تتناثر منهم أنوار هيبة الحق يمينا وشمالا وخلفا وقداما وفوقا وتحتا ، وهم
__________________
(١) نور المؤمن يسعى بين يديه ، له هيبة في قلوب الموافقين والمخالفين ، يعظمه الموافق ويعظم شأنه ، ويهابه المخالف ويخافه ، وهو النور الذي جعله الله تعالى لأوليائه ، ولا يظهر ذلك النور لأحد إلا إن انقاد له وخضع ، وهو من نور الإيمان. تفسير التستري (٢ / ١٢٤).