افتراق بين فعله وقهر قدرته ، ومن حيث الجمع باشر نور الصفة نور الفعل ، ونور الصفة قائم بالذات ، يتجلى بنوره لفعله من ذاته وصفته ، ثم يتجلى من الفعل ، فترى جميع الوجود مرآة وجوده ، وهو ظاهر بكل شيء للعموم بالفعل وللخصوص ، بالاسم والنعت ، ولخصوص الخصوص بالصفة ، وللقائمين بمشاهدة ذاته بالذات ، وهو تعالى منزّه عن البينونة والحلول والافتراق والاجتماع ، إنما هو ذوق العشق ، ولا يعلم تأويله إلا العاشقون.
قال الحسين : ما فارق الأكوان الحق ، ولا قارنها ، كيف يفارقها وهو موجدها وحافظها! وكيف يقارن الحدث القدم به قوام الكل ، وهو بائن عن الكل! ، ولا تراه يقول : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) ، يا أخي هذه الآية مقتضية البشارة للعاشقين ؛ حيث معهم أينما كانوا ، وتوثيق للمتوكلين ، وسكينة للعارفين ، وبهجة للمحبين ، ويقين للمراقبين ، ورعاية للمقبلين ، وإشارة الاتّحاد للموحدين.
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦) آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩))
قوله تعالى : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) : يولج ليل الاستتار في نهار التجلي ، ويولج نهار كشف النقاب في ليل الحجاب ، وأيضا يولج ليل النفوس الأمارة في نهار الأرواح والعقول ، ويولج نهار الأرواح والعقول في ظلمات النفوس.
قال سهل : الليل نفس الطبع ، والنهار نفس الروح ، فإذا أراد الله بعبد خيرا ألفّ بين طبعه ونفسه وروحه على إدامة الذكر له ، فأظهر بذلك على صفاته أنوار الخشوع.
(وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠))
قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) : فيه بيان شرف المتقدمين في الطريقة ، والباذلين أنفسهم وأموالهم لرعاية الوفاء بالعبودية لحبيبهم ؛ إذ بيان صدق الصادقين إجابة دعوة الحق في البداية لا يتقاعد عن طلبه بمانع نفسه وماله.
قال جعفر : الإرادة القوية والإيمان والتسليم للمهاجرين وأهل الصفة وإمامهم