واضطر الخلق إلى الإقرار بربوبيته بظاهريته ، وحجب الأفهام عن إدراك كنهه وكيفيته بباطنيته.
قال النوري : الأولية هي الآخرية ، والآخرية هي الأولية ، والظاهرية هي الباطنية ، والباطنية هي الظاهرية ، كما أن الأزلية هي الأبدية ، والأبدية هي الأزلية ، ليس بينهما حاجز إلا أنه يفقدك ويشهدك ، وفناء التجديد الملذة ، ورؤية العبودية.
وقال الأستاذ : الأول لا بزمان ، والآخر لا بأوان ، والظاهر لا باقتران ، والباطن لا باحتجاب.
وقيل : الأول بالتعريف ، والآخر بالتكليف ، والظاهر بالتشريف ، والباطن بالتخفيف.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥))
قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) : يعلم ما يلج في أرض القلوب من أنوار الغيوب ، (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من نبات المعرفة وأشجار المحبة وأنهار الحكمة ، يعلم ما يلج فيها من سنا تجليه ، وما يخرج منها من صفاء التوحيد والتجريد والتفريد.
قال سهل : ليسلم ما يدخل أرض قلبه من الفساد والصلاح ، وما يخرج منها من فنون الطاعات ، فيتبين آثارها وأنوارها على الجوارح.
قال الأستاذ في قوله تعالى : (ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) : الذي في قلبه من إخلاصه وتوحيده حزنه ، وما في قلب الجاحدة من
شكه وشركه والأوصاف المذمومة ، وما ينزل من السماء على قلوب أوليائه من الألطاف والكشوفات ، وفنون الأحوال العزيزة ، وما يعرج فيها من أنفاس الأولياء إذا تصاعدت ، وحسراتهم إذا علت.
وقوله تعالى : (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها) : ما ينزل من سماء الغيب من قطرات الإلهام ، وما يعرج فيها من أنوار أنفاس المشتاقين والعاشقين وللمحبين ومعاليهم العارفين.
وقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) : إن للعارفين في هذه الآية مقامين : مقام عين الجمع ، ومقام إفراد القدم عن الحدوث ، فمن حيث الوحدة والقدم تصاعر الأكوان في عزة الرحمن وسطوات عظمته حتى لا يبقى أثرها ، فتسلط عظمته معها حتى أزالها بحيث لا