أن أعرف» (١) ، يا صاحبي كدت أن أنقل أحجار ، فإن الكبرياء بنياني أو أغرف مياه قاموس الأزل والبقاء فما وصلتها رأيتها ممنوعة من إدراك الفهوم ووصول العلوم ، ورجعت وما قلت إلا قول حبيبه عليه الصلاة والسلام في هذه الآية : «لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (٢).
قال الجنيد : نفى العدم عن كل أوّل بأوليته ، ونفى البقاء عن كل آخر بآخريته ، واضطر الخلق إلى الإقرار بربوبيته بظاهريته ، وحجب الأفهام عن إدراك كنهه وكيفيته بباطنيته.
قال الواسطي : لم يدع للخلق نفسا ، بعدما أخبر عن نفسه الأول والآخر والظاهر والباطن.
وقال أيضا : من كان حظه من اسمه الأول كان شغله بما سبق ، ومن لاحظ اسمه الآخر كان مرتبطا بما يستقبله ، ومن كان حظه من اسمه الظاهر لاحظ عجائب قدرته ، ومن كان حظه من اسمه الباطن لاحظ ما جرى في السرائر من أنواره.
وقال أيضا : حظوظ الأنبياء مع تباينها من أربعة أسام ، وقيام كل فريق منهم باسم منها ، فمن جمعها كلها فهو أوسطهم ، ومن فني عنها بعد ملابستها فهو الكامل التام ، وهي قوله : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ.)
وقال أيضا : من ألبسه الأولية فالتجلّي له في الآخرية محال ؛ لأنه لا يتجلى إلا لمن فقده أو كان بعيدا عنه فقربه.
وقال الحسين : هداهم باسمه الأول إلى الغيب المحيط ، وعرّفهم باسمه الآخر الشأن القائم الدائم ، وبصّرهم باسمه الظاهر النور العزيز المبين ، وأوزعهم باسمه الباطن الحق والشهادة.
وقال أيضا : هو الأول الذي لا تخرجه الأولية ولا الآخرية ولا الظاهرية ولا الباطنية إلى نعوت الحلول والافتراق ، وكيف يسعه أو يدركه شيء من خلقه وهو المحيط بالأزل والآزال ، والأبد والآباد من جميع الوجوه وإليه الغاية والمنتهى.
أزلي العلم ، أزلي القدرة ، أزلي الشأن ، أزلي المشيئة ، أزلي النور ، أزلي الرحمة ، البادئ لكل علم ومعلوم ، وشاهد ومشهود جلّ وتعالى.
وقال الجنيد : نفى القدم عن كل أول بأوليته ، ونفى الفناء على الكل الآخر بآخريته ،
__________________
(١) ذكره العجلوني في كشف الخفا (٢ / ١٧٣).
(٢) تقدم تخريجه.