والظروف والأماكن والفهوم والعلوم عن بوادي أنوار أوليته وآخريته ، وظهور سبحات ظاهريته ، ولمعات أسرار باطنيته ، فلم تبق لي اللسان حيث لا يبقى البيان والبرهان ولا العرفان ولا الإيقان الإيمان بمن والعرفان لمن والإيقان في من ، وهو ممتنع بغير جباريته عن درك الخواطر ، وجريان الضمائر سبحانه سبحانه سبحانه.
قوله : (هُوَ الْأَوَّلُ) : إظهار الأزل في الآزال.
وقوله : (وَالْآخِرُ) : إظهار الآباد في الآباد.
وقوله : (وَالظَّاهِرُ) : عيانه بذاته في صفاته وصفاته في أفعاله ؛ إذ الأفعال في الصفات والذات فانية ، فبقي ظهوره في نفسه ؛ إذ لا شيء دونه.
وقوله : (وَالْباطِنُ) : استتار كنهه بكنهه وسره بسره ، لا يدرك باطنه بعد الأوهام ، ولا غوص الأفهام ، سبحانه عما أومأ إليه الخليقة بكمالها! سبحانه عما أشار إليه البرية بنهايتها! من يعرف عقود علل الأشياء حتى يعرف أوليته ، ومن يعرف عروق الأعصار حتى يعرف آخريته ، ومن يعرف كينونية الأفعال حتى يعرف ظاهريته ، ومن يعرف أسرار بطون الأرواح والنفوس حتى يعرف باطنيته ، لو يعرف المخلوق حقيقة مائية وجوده بنعت إحاطة علمه عليها يعرف أصل كل أصل ، وعلة كل علة ، إذ لا يعرفها إلا من يوجدها إلا هو الذي نعته الأول والآخر والظاهر والباطن ، لا تظن في أوليته عدّ الأدهار ، ولا تظن في آخريته حصر الأعصار ، ولا تظن في ظاهريته بوادي الآيات ، ولا تظن في باطنيته أسرار الخفيات ، فإن هذه الصفات منفية عن كمال ألوهية الأولية في الأذهان تأخرها إلى قدم الزمان ولا زمان في الأزل والآخرية في الإفهام استباقها إلى دوام الأعصار ولا أعصار في الأبد ، والظاهرية في العقول الظهور في الأماكن ، ولا مكان عند ظهوره ، والباطنية في الخيال طوية الخفيات ، وهو منزّه عن أن يكون محل جريان العلل ؛ إذ لا علة في وجوده عبر من هذه الظلمات ، فإنه تعالى منزّه عن القياس والوسواس ، أوله آخره ، وآخره أوله ، وظاهره باطنه ، وباطنه ظاهره ، فإذا خرجت يا نفس من رقومات المكونات ، وصور الآيات ، ورسم الأفعاليات ، ونسيت العدم والوجود ، وسقط عنك الرسم والاسم والوسم فنيت عنك ، وبقيت بالحق يرى الله بالله ، ولا تبقى عندك هذه الرسومات ، ويثبت لك الخفيّات الأولى للأرواح بسبق العنايات ، والآخر للقلوب بحسن الرعايات ، والظاهر بنعت الكشف للأسرار ، والباطن ببيان علم المجهول ، وانكشاف حقيقة حكم الربانية للعقول القدسية ، أي : تفضل أعظم من هذا التفضل من الحق سبحانه للعارفين ؛ إذ تجردت نعوته وأسماؤه وصفاته وذاته لهم ، وهذا من كمال حبه لحبهم ، وإرادته لمعرفتهم ؛ لذلك أظهر كنز الربوبية والألوهية لهم بقوله : «كنت كنزا مخفيّا ، فأحببت