وبأفعاله وصف نفسه إذ هو قبل وجود الكون نزه نفسه بصفته القديمة ثم وصف نفسه بفعله تشريفا للخليقة وتعظيما للحقيقة ، فتنزيهه غالب على تنزيه الخلق وحكم بعجزهم عن تسبيحه بقوله : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.)
(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢))
قوله تعالى : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ) : ذكر الله سبحانه ملكه على قدر إفهام الخليقة ، وإلا فأين السماوات والأرض من ملكه؟! والسماوات والأرض في ميادين مملكته أقل من خردلة لما علم عجز خلقه عن إدراك ما فوق رؤيتهم ، ذكر ملك السماوات والأرض ملكه قدرته الواسعة التي إذا أراد الله إيجاد شيء ، يقول : كن فيكون بقدرته ، وليس بقدرته نهاية ، ولا لإرادته منتهى ، يحيى من يشاء برؤيته ، وكشف جماله له ، ويميت من يشاء برؤية الملك ، والاشتغال به عن المالك ، وأين الملك والملكوت في عين العارف الحي بحياته ، البصير بنوره التي هي فانية في الملكوت والكائنات سقطت منها بأن ليس فيها موضع إلا وفيه بحار عظمة القدم وجلال الأبد.
قال ابن عطاء : هو مالك الكل وله الملك أجمع ، يميت من يشاء بالاشتغال عن الملك ، ويحيى من يشاء بالإقبال على الملك.
وقال الأستاذ : يحيى النفوس ويميتها ، ويحيى القلوب بإقباله عليها ، ويميت بإعراضه عنها.
(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣))
قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) : افهم سرّ تفسير هذه الآية ، فإن الله سبحانه أشار بها إلى سرّ ذاته وصفاته ونعوته وأسمائه ، وأظهر باطن غيبه ، وغيب غيبه وسره ، وسر سره ؛ لتحير أرواح العارفين في بحار قدمه وبقائه ، وفناء أسرار الموحدين في صفاته وذاته ، وما أفادت هذه الأسرار إلا التحير عن إدراكه وذكر سرّه ، ولم يعرف أحد ذلك السرّ ، ولا يعرف أحد ذلك السرّ ، ولا يعرفه أحد إلى الأبد ، هو ذاكره ، وهو عالم به لا غير ، كيف يعرف الأولية من لا أولية له؟ وكيف يعرف الآخرية من لا آخرية له؟ وكيف يعرف بطن سر السر وأصل الأصل ، من لا حقيقة له في إدراك كنة كنهه اعبر من هذا البحر العميق ، ولا تقف ، فإنه أغرق الأولين والآخرين في قطرة من قطراته ، وهم عطاشى من بعد أفواههم عن نداوتها أين أنا من الإقبال بنعت الإدراك على قدم القدم وأبد الأبد وبطن العلم وإشراق شمس الألوهية ، وسبحاتها تحرق الأبصار ، وأسرارها تحير الأفكار أنا والفرار من ضرغام الأزل ، وتبين الأبد ما للتراب ، ورب الأرباب سقط الزمان والمكان والأوائل والأواخر