(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨))
(وَالسَّابِقُونَ) : الذين سبقوا بسبق اجتباء الله إيّاهم في علمه الأزلي ، وهم المقربون بأن قرّبهم منه ، وكشف لهم أنوار قرب قربه ، وجمال مشاهدته أيضا ، وأصحاب الميمنة أهل الإيمان ، وأصحاب المشئمة أهل الكفر والطغيان ، والسابقون المقربون أهل العرفان ، وأيضا أصحاب الميمنة أهل المجاهدات ، وأصحاب المشئمة أهل الشهوات ، والسابقون أهل المشاهدات.
قال ابن عطاء : هم أرواح ثلاثة ، «فأصحاب الميمنة» : هم أصحاب الجنة ، و «أصحاب المشئمة» : هم أصحاب النار ، و «السابقون» : هم العبيد المخلصون ، ثم يصير أصحاب الميمنة على ثلاث طبقات.
وقال سهل : «السابقون» : هم الذين سبق لهم من الله الولاية.
قيل : كونهم هم المقربون في منازل القربة ، وروح الأنس.
قال القاسم : أضاف الله الأفعال إلى عباده بقوله : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) (١٠) ، ثم قال : (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١١) ، ولم يكونوا مقربين لما كانوا سابقين ، ولو كانت الأفعال إليهم حقيقة لكانوا متقربين ، ولم يكونوا مقربين.
صدق الشيخ فيما حالهم وجدوا السبق بأن اصطفاهم الله في الأزل بقربه ، فإذا السبق والقربة من فضل الله ، واختياره لهم.
وقال الأستاذ : الذين سبقت لهم من الله الحسنى ، فسبقوا إلى ما سبق لهم ، أولئك المقربون ، ولم يقل المتقربون ، بل قال أولئك المقرّبون ، وهذا عين الجمع.
(لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩))
قوله تعالى : (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) : لا يتغيرون عن حدود الاستقامة بمشارب الوصلة ، ولا يحتجبون عن المشاهدة أبدا.
قال جعفر : لا تذهل عقولهم عن موارد الحقائق عليه ، ولا يغيبون عن مجلس المشاهدة بحال.
(وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣))