والكواشف من مكامن الغيب ، حين أراد الحقّ جذب قلبه بمباشرة وارد مشاهدته ، فتلك الساعة للعارف واقعة القيامة ، يستشرف بنوره قبل مجيئها على أمورها الغيبية ، فإذا وقعت عليهم الواقعة سلبتهم من حظوظ الدنيا ، وطلبها ، ولذة هواها ، وزينتها ، وذهبت بهم إلى مراد الحقيقة ، هنا تبين مسالك كل صادق ، ومهالك كل مدّع.
قال سهل : إذا ظهر لكل سالك بيان سلوكه ، فمن كان سلوكه على منهاج السنة والاقتداء قاده ذلك إلى مناهج الباطل.
وقال ابن عطاء : إذا تبين مراد المريد من مراده.
(خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧))
قوله تعالى : (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) : «خافضة» : لظنون النفوس الأمّارة ، «رافعة» : لهموم القلوب المطمئنة إلى مدارج القربة ، وأيضا «خافضة» : للنفس الأمارة عن جوار الروح الناطقة ، ومطهرة من دنسها ، و «رافعة» : للروح إلى معادن الأفراح من رؤية الملك الغفار ، وأيضا مسقطة للمجاهدات ، و «رافعة» : للأرواح إلى المداناة ، وأيضا «خافضة» : للتكاليف ، و «رافعة» : للعارفين إلى الرفاهية الكبرى في الصفائح الأعلى ، وأيضا «خافضة» : للمدّعين ، و «رافعة» : للصادقين.
قال ابن عطاء : تخفض أقواما بالعدل ، وترفع أقواما بالفضل.
وقال سهل : تخفض أقواما بالدعاوي ، وترفع أقواما بالحقائق.
قال الأستاذ : «خافضة» : لأصحاب الدعاوي ، «رافعة» : لأرباب المعاني.
(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨))
قوله تعالى : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) : «أصحاب الميمنة» : أصحاب يمن العناية الأزلية الذين سبقت لهم في الأزل الاصطفائية بالولاية.
(وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩))
(وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) : الذين أسقطهم قهر الأزل عن رؤية العناية ، فصاروا مشئومين من مشأمة الدعاوي الباطلة (١).
__________________
(١) وقال الشيخ حقي : المراد تعجيب المسامع من شأن الفريقين في الفخامة والفظاعة كأنه قيل ما عرفت حالهم أي شيء فاعرفها وتعجب منها فأصحاب الميمنة في غاية حسن الحال وأصحاب المشأمة في نهاية سوء الحال ، تفسير حقي (١٥ / ١٥).