وما روى عنه في خبر عائشة ـ رضي الله عنها ـ : «أعوذ بك منك» (١) ، فهذا غاية الفرار منه إليه.
قال الواسطي : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) معناه لما سبق لهم من الله لا إلى علمهم ، وحركاتهم وأنفسهم كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أعوذ بك منك» (٢).
سئل بعضهم عن قول النبي صلىاللهعليهوسلم وسلم : «سافروا تصحّوا»؟ قال : إلينا تجدونا في أول قدم ، ثم قرأ : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) (٣).
قوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) : فتول عنهم بسرك إلينا ، فما أنت بملوم في إبلاغ رسالتك وإشغافك بالظاهر بهم وبإعلامهم بأسباب نجاتهم ، فأنت مستقيم ، لا يحجبك إبلاغ الرسالة عن شهود العين.
قال الواسطي : ردهم إلى ما سبق عليهم في الأزل من السعادة والشقاوة ، وأسقط الملامة عن نبيه صلىاللهعليهوسلم لما نصح وجهد وعانى بقوله : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) ، فلما أمر أن يتولى عن الأعداء أمر أن يقبل على طلاب مشاهدته من العارفين ، ويجدد بقوله سوابق ما أنعم الله عليهم من التوحيد والمعرفة بقوله : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) أي : ذكرهم جمالي وجلالي وحسن اصطناعي وقربي منهم ، وما خصصتهم من سني الدرجات ورفيع المقامات ؛ فإن ذكرك ينفع لهيب فؤادهم ولوعة قلوبهم وأشواق أرواحهم.
قال جعفر الصادق : يعني يا محمد ذكّر عبادي جنودي وكرمي وآلائي ونعمائي وما سبق لهم من رحمتي لأمتك خاصة ، والذكرى التي تنفع المؤمنين ذكر الله العباد وما سبق من العناية القديمة بالإيمان والمعرفة والتوفيق للطاعة والعصمة عن المعاصي.
قال الأستاذ : ذكّر المطيعين جزيل ثوابي ، وذكّر العارفين ما صرفت عنهم من بلائي.
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧))
قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) : في هذه الآية إشارة عجيبة ، وهو أنه تعالى إذا أراد خلق الجن والإنس أبرز من عيون الربوبية عينا ، فأوجدهم برؤية العين ،
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) رواه أحمد (٢ / ٣٨٠) بأوله فقط.