إبراهيم بقوله : (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ.)
(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥))
قوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) : وصف الله نفسه بالقدرة القائمة بذاته والقوة الأزلية في ذاته ، بأن ركّب السماء ، ووسعها ، وألبسها أنوار القدرة والقوة ، وجعلها مرآة لصفاته لنظر نظار الحقيقة وإبصار طلاب المشاهدات في الآيات ، وبسط الأرضين لأقدام أوليائه ، وجعلها مساجد أصفيائه ، وأنبت فيها صنوف الأشجار وفنون الأزهار ، وأثنى على نفسه في إمهاده الأرض بقوله : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) : ذكر ثناء نفسه في ذكر الأرض لخاصيتها بأنها مواضع أقدام الصديقين ، وبأنها أصل طينة آدم وذريته ، وبيّن وحدانيته في قوله : (خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) ، وقع الكل في القلة والكثرة ، وتفرد الوحدانية بالوحدة ؛ ليعرف في رؤيتها العارف وحدانيته ، ويعتبر بما وجد في الكون أن مآل الكل للفناء ، والحق لم يزل ولا يزال باقيا.
قال الخراز : أظهر معنى الربوبية والوحدانية بأن خلق الأرواح ؛ لتخلص له الفردانية ، فلما تبين أن أشكال الأشياء مواضع علة الفناء دعا العباد إلى نفسه ؛ لأنه الباقي وغيره فان بقوله : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) ، ففروا من وجودكم ومن الأشياء كلها إلى الله بنعت الشوق والمحبة والتجريد عما سواه ، وأيضا فروا إليه منه حتى تفنوا فيه ؛ فإن الحادث لا يثبت عند رؤية القديم : (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ) عنه وعن قهر قدمه وفراقه (مُبِينٌ) ؛ حيث تعرفون أني صادق فيما ظهر مني من سلطان هيبتي وبرهان قدرتي.
قال سهل : ففروا مما سوي الله إلى الله ، وفروا من المعصية إلى الطاعة ، ومن الجهل إلى العلم ، ومن عذابه إلى رحمته ، ومن سخطه إلى رضوانه.
وقال محمد بن حامد : حقيقة الفرار إلى الله ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «وألجأت ظهري إليك» (١).
__________________
(١) رواه البخاري (١ / ٩٧) ، ومسلم (٤ / ٢٠٨١).