قال سهل : بالعارفين بالله يستدلون على معروفهم.
وقال في قوله : (أَفَلا تُبْصِرُونَ) : أي : أفلا ينظرون فيها إلى آثار الربوبية.
وقال الواسطي : تعرّف إلى قوم بصفاته وأفعاله ، وهو قوله : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) ، وتعرّف إلى الخواص بذاته ، فقال : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ.)
وقال بعضهم : فمن لا يبصرها ولا يعرفها أضاع حظها منها.
وقال الحسين : إذا عرج على نفسه بان نفسه لنفسه ، ومن لم يعرج على جملته كان محتشما لم يبين خلقه لخلقه ، فكان كما لم يزل خوطب بلسان الأزل وجميع نعوته عدم ، بقوله : (بَلى) ، فكان المخاطب لهم والمجيب عنهم ولا هم.
وقال أبو الحسين بن هند : العبد يعرف نفسه على قدر حضوره واستعماله للعلم ، وعلى قدر رجوعه إلى الله يعرف نعمه وفضله وكلاءته ؛ إذ ذاك ينجو من الاستدراج.
(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣))
قوله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) أي : في سماء صفاتي رزق أرواحكم من مشاهدة النور ، وغذاء العلم الرباني ، وما توعدون من مشاهدة الذات وكشف عيانه ، وفي الآية دليل التوكل على الله ، وحثّ على طلب الحوائج منه ، وأحالهم إلى رؤية الوسائط ، ولو كانوا على محل التحقيق لما أحالهم إلى السماء ولا إلى الأرض.
قال إبراهيم بن شيبان : وفي السماء بقاؤكم وما توعدون من الفناء.
وقال القاسم : ما توعدون من الفناء والبقاء والهداية والضلالة والهلاك والعقوبة (١).
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥))
قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) أي : المكرمين في الأزل باصطفائيتهم وقربتهم من الله سبحانه ، وأنهم ملبسون لباس نور الحضرة ، وأنهم سفرة الله ، أكرمهم بأنه جعلهم سفراء بينه وبين الأنبياء والمرسلين ، فبكرامة الخليل والحبيب عليهما
__________________
(١) قال التستري : أي تفرغوا لعبادتي ولا يشغلكم طلب الرزق عنا ، فإنا نرزقكم ، ثم قال : إن الله رضي عنكم بعبادة يوم فارضوا عنه برزق يوم بيوم. قال : وفيها وجه آخر : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) أي من الذكر وثوابه. تفسير التستري (٢ / ٦٧).