المعارضات بقوله : (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ، ثم زاد في وصفهم أنهم بذلوا ما لهم في سبيل الله لمن سأل منهم ولمن لم يسأل بقوله : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ.)
قال سهل : المتقي في الدنيا في جنات الرضا يتقلب ، وفي عيون الأنس يسبح.
وقال في قوله : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) : لا يغفلون عن الذكر في حال.
وقال بعضهم : ذاقوا حلاوة الأنس في الذكر ، فتهجدوا ، وهجروا النوم ، وقاموا آناء الليل والنهار طالبين مرضاته ، متطلعين إلى ما يرد عليهم من زوائد مناجاته وفوائده.
وقال الأستاذ : الليل إما للأحباب في أنس المناجاة ، وإما للعصاة في طلب النجاة ، والسهر لهم في لياليهم دائم ، إما لفرط أسف ولشدة لهف ، وإما للاشتياق والفراق ، كما قالوا :
كم ليلة فيك لا صباح لها |
|
أفنيتها قابضا على كبدي |
وقد غضت العين بالدموع وقد |
|
وضعت خدي على بنان يدي |
وأما لكمال أنس وطيب روح ، كما قالوا :
شقي الله عيشا قصيرا مضى |
|
زمان الصبى في الهوى والمحون |
لياليه يحكي انسداد اللحاظ |
|
للعين عند ارتداد الجفون |
وقال بعضهم : السائل المفتضح ، والمحروم المتعرض.
وقال الأستاذ : السائل المتكفف ، والمحروم المتعفف.
(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١))
قوله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) : إن آيات الأرض ظهور تجلي ذاته وصفاته في مرآة الأكوان ، كما ظهر من الطور لموسى ، وما ظهر من المصيصة لعيسى ، وما ظهر لمحمد صلىاللهعليهوسلم من جبال مكة ، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام : «جاء الله من سيناء واستعلن بساعير ، وأشرف من جبال فاران» (١) ، وأيضا يظهر لكل موقن ذلك النور والبركة ، وهذا المقام مقام اليقين ، وإذا ظهر بذاته وصفاته للسر والروح والقلب والعقل يكون مقام الاتصاف والاتحاد ، وهذا للعاشقين ، وهو مقام عين الجمع ، الأول مقام الجمع ، ومن شدة ظهور النفس الناطقة استفهم الحق غرباء المعرفة ، ودلّهم على عيان المشاهدة ، (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) : آيات الموقن هو الموقن ، وآيات العارف هو العارف سبحانه هو المقدس من مباشرة الحدثان ، والمخالطة بالإنسان.
__________________
(١) تقدم تخريجه.