والأولياء بالقربة ، والعارفين بالوصلة ، ثم أقسم بسماء قلوب الموحدين التي شمسها العرفان ، وقمرها الإيقان ، ونجمها الإيمان ، وصفاؤها البيان ، وسحابها البرهان ، ومطرها الغفران ، ورياحها القربان ، وحبكها لمعان العيان بقوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) (٧).
قال الأستاذ : الإشارة إلى سماء التوحيد ذات الزينة بشمس العرفان وقمر المحبة ونجوم القربة.
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩))
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) أي : الذين يتحرزون بهمومهم الصافية عن غبار الخليقة ، يتقلبون في جنان القربة ، ويعيشون بنسيم الوصلة ، ويشربون من عيون المعرفة شراب المحبة (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) أي : من لطائف المقامات وغرائب الدرجات ، في الدنيا لهم الكرامات ، وفي الآخرة لهم المداناة ، ثم ذكر سبب وصولهم إليها ، فقال : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) أي : باذلين وجودهم لله شوقا إلى الله ، ثم زاد في وصفهم بأنهم باتوا في ظلم الليالي ؛ لتفقد الواردات وطلب المكاشفات بقوله : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) ، يتهجدون في أجواف الليالي بطيب مناجاتهم وحلاوة مراقباتهم ولذة انبساطهم وعربدتهم على بساط الاحتشام ؛ حيث يسمعون لطائف الإلهام والخطاب والكلام ، فيا لها من عبراتهم ، ويا لها من زفراتهم ويا لها من شهقاتهم ، ويا لها من لذة تلفظهم بالشطحيات ، وغرائب الكلمات الإلهيات ، وهذا من كمال عشقهم وغلبات محبتهم وشوقهم ، لا يقدرون أن يناموا في مضاجعهم ؛ من لذة الأنس بالله ووجدان قرة عيونهم من نور مشاهدته ، حيث قال في وصفهم : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) ، أين أنت يا صاحبي من سقوطهم وتمرغهم في التراب؟! لو رأيت عيونهم الباكية لترى فيها دمار أكبادهم ، الله يعلم أسرارهم ؛ حيث هيّجهم بشوقه وعشقه إلى قربه حتى لم يناموا على فرشهم مثل البطالين والغافلين ، وأنشد :
نهاري نهار النّاس حتّى إذا بدا |
|
لي الليل هزتني إليك المضاجع |
أقضى نهاري بالحديث وبالمنى |
|
ويجمعني والهم بالليل جامع |
ثم وصفهم الله بأنهم مستغفرون بالأسحار ، وذلك أنهم إذا رجعوا من مقام المشاهدة إلى مقام المراقبة يستغفرون الله من الزلات والخطرات قبل المداناة وبعد المكاشفات من