قلوب المحبين ، وينشق طيب نسائم الدنو أرواح الشائقين ومحمل أنين العاشقين إلى بساتين الملكوت ، ويطيبها بطيب الجبروت :
وإني لأستهدي الرياح نسيمكم |
|
إذا أقبلت من أرضكم بهبوب |
وأسألها حمل السلام إليكم |
|
فإن هي يوما بلغت فأجيب |
وأقسم بسحائب ظلال عنايته القديمة التي تحمل ويل المعرفة من بحر الصفات ، فتمطر على أرض قلوب العارفين ، فينبت به أزهار المحبة وورد الألفة وياسمين المودة ونور الحكمة ورياحين العلوم اللدنية ، فيا لها من برد تلك الظلال ، ويا لها من تسنيم ذلك الشمال ، يا لها من حسن ذلك الجمال ، وأيضا : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) : أقسم برياح أنفاس المشتاقين إلى جماله التي تصعد إلى الملكوت ، وتنشر طيب نفحات العشق في بساتين الجبروت ، فيطيب بنسيمها أهل الملأ الأعلى وصفائح الأدنى.
(فَالْحامِلاتِ وِقْراً) : سحائب أرواح العارفين التي تحمل أوقار مياه علوم الغيب من بحار الصفات ، فتمطر على صحارى الصدور ، فتنبت فيها أشجار الحقائق وأنوار الدقائق.
(فَالْجارِياتِ يُسْراً) : للسنن أسرار الربانيين التي تجري في بحار الذات القديم ، يسوقها شمال العناية ، ويحرسها من الفناء شرف الكفاية.
(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) : عقول المتمكنين في مقام الصدق والاستقامة التي تقسم أمور الإلهام في مواضع العبودية لنظام الطريقة والشريعة ، أقسم الله بهذه العجائب بما فيها من لطائف الغرائب والدلالة على صفاته وذاته ومحبة أوليائه وقمع أعدائه إن مواعيد وصاله وكشف جماله لصادقة ، وإن ساعات القربات والمداناة لواقعة ، فهناك أيام المواصلة ، وهناك أزمان المكاشفة والمشاهدة إلى الأبد.
قال الأستاذ في قوله : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) : إن من حملة الرياح الصبحية تحمل أنين المشتاقين إلى ساعات العزة ، ثم تأتي بنسيم القربة إلى مشام أهل المحبة ، فيجدون راحة غلبات اللوعة ، وفي السحاب ما يمطر بعتاب الغيبية ، ويؤذن بهواجم النوى والفرقة ، فإذا عنّ لهم شيء من ذلك أبصروا ذلك بنور بصائرهم ، فيأخذون في الابتهال والتضرع في السؤال استعادة منهم ، كما قالوا :
أقول وقد رأيت لها سحابا |
|
من الهجران مقبلة إلينا |
وقد سحّت عزاليها بهطل |
|
حوالينا الصّدود ولا علينا |
وقال في قوله : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) : وعد الله المطيعين بالجنة ، والتائبين بالرحمة ،