التحقيق لا على التأويل فيأرب موت هناك ؛ ويأرب حياة هناك ؛ لأن الحدث لا
يستقيم عند بروز حقائق بواطن القدم ، ألا ترى إلى إشارة النبي صلىاللهعليهوسلم كيف قال : «حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما
انتهى إليه بصره من خلقه» .
قيل للجنيد :
أهل الجنة باقون ببقاء الحق؟ فقال : لا ، ولكنهم مبقون ببقاء الحق ، والباقي على
الحقيقة من لم يزل ولا يزال باقيا ، ثم بيّن الله سبحانه أن هذه الكرامات فضل منه
عليهم ؛ حيث اختارهم بما في الأزل ، وأخرجها من علل الاكتساب بقوله : (فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ) أي : عطاء واصطفائية لا جزاء للأعمال المعلولة.
قال الواسطي :
هو الفضل لا استحقاق بعمل العبد وكسبه وحركته.
(فَإِنَّما
يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨))
قوله تعالى : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) : افهم أن الكلام الأزلي ما فارق من الأزل ، وكيف يحل
القديم في الحديث؟! وهو مستحيل من كل الوجوه ، لكن لما أراد أن يخبر عن نفسه ألبس
نور كلامه لسان حبيبه صلىاللهعليهوسلم ، فيحتمل كلام الحق بنور الحق ، فإذا الحق مع الحق لا
مع غيره ؛ فلسانه فعل الحق ، وفعل الحق مجرى نور صفاته ، جعله فصيحا بتيسره ،
وسهّل عليه جريان لسان الحديث به ؛ لعلهم يدركون من لسانه معاني صفات الحق ، فإن
الله لو أسمعهم بغير الوسائط لماتوا جميعا.
قال ابن عطاء :
يسّر ذكره على لسان من شاء من عباده ، فلا يفتر عن ذكره بحال ، وأغلق باب الذكر
على من شاء من عباده ، فلا يستطيع ذكره بحال.
قال جعفر
الصادق : لولا تيسيره لما قدر أحد من خلقه أن يلفظ بحرف من القرآن ، وأنّى لهم ذلك؟!
وهو كلام من لم يزل ولا يزال.
(فَارْتَقِبْ
إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩))
قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) (٥٩) أي : انتظر وقوع مقاديري عليهم ؛ فإن في رؤيتها عبر العارفين وموعظة المتقين.
قال جعفر :
الانتظار معدن الإيمان ، وهو سبيل أهل الحق إلى الحق ، النبي بنبوته ، والولي
بالولاية.
__________________