جعل المؤمنين بعضهم في بعض شفعاء.
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥))
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) (١) أي : إن المفردين عن الأكوان وما فيها بنعت التجريد والتوحيد والتبري من غير الله واستحسانه في محبة الله بعين الرغبة فيه هم في مقام وصلة الحق ، حين لا يجري عليهم اضطراب الفراق ، ولا يحجبهم غير الحق في مقام الأشواق ، آمنين منه به حين ألبسهم أنوار كماله وجلاله وجماله.
قال جعفر الصادق : كانوا في الدنيا على خوف العذاب ووجل الفراق وذلك مقام المتقين في الدنيا ، فأورثهم ذلك أمانا وأمنا أن يسلب ذلك منهم.
وقال أيضا : المقام الأمين وصلة الجبار.
وقال بعضهم : المقام الأمين مجالسة الأنبياء والأولياء والصديقين والشهداء.
(لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧))
قوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) : افهم يا فهم لو تدرك حقائق أمور المعارف لا تتهمني بالجهل فيما أقول لك ؛ فإن الموت الأصلي هو العدم ، وكيف يموت من أوجده الحق بنور القدم ، الموتة الأولى هي عدمهم قبل وجودهم ، فبعد الوجود لا يكون القدم بالحقيقة ، إنما يجري عليهم أطوار فنون امتحانات الحق كالذهب ساعة في طين ، وساعة في نار ، وساعة في بوتقة ، وساعة في سواد ، وساعة في بياض حتى يعود إلى ما خرج من المعدن ، فأطوار الخليقة إلى الأبد في تقلبها بقاء في بقاء ، وكيف يفنى بالحقيقة من أوجده الحق من مكمن الغيب إلى قضاء ربوبيته ، فإذا أحضرهم في ساحة كبريائه ويتجلى لهم بالبداهة من عين الجبارية والقهارية يكونون في محل الفناء وفي فناء الفناء من عليات سطوات ألوهيته ، فإذا صاروا فانين ألبسهم الله لباس بقائه ؛ فيبقون ببقائه أبد الآبدين ، فإذا الاستثناء وقع على
__________________
(١) لما ذكر وعيد الكفار أردفه بآيات الوعد فقال : «إن المتّقين» قال أهل السنة : كل من اتقى الشرك صدق عليه أنه متق ، فوجب أن يدخل الفساق هذا الوعد فقال : (في مقام أمين) وقرأ أهل المدينة والشام بضمّ ميم «مقام» على المصدر ، أي في إقامة وقرأ الباقون فتح الميم أي في مجلس أمنين آمنوا فيه من الغير. تفسير ابن عادل (١٤ / ١٧٦).