وَالْأَرْضِ
رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) ، ذكر غلبة قهره على السماوات والأرض والعرش والكرسي ،
حتى عرفوا أن ما يرون من أعظم الخلق يكون عاجزا في خضوعه لسلطانه كيف يليق به ما
تصف الكفرة ، نزّه نفسه عن ذلك بقوله : (سُبْحانَ رَبِّ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) ، منزّه عمّا وصف به الموحدون والعارفون ، فكيف عما وصف
به الجاهلون.
وقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ) : عظّم أقدار العارفين بهذه الآية ؛ حيث شاهدوا جلاله
وجماله بأرواحهم وقلوبهم وأسرارهم وعقولهم ، وهم يخبرون حقائقها بألسنة عجيبة
ربّانية إلهامية ، يصفون الحق بها بما يليق بوحدانيته ، وهم يعرفونه بما عرفهم
نفسه تعالى ، ولولا قول الله سبحانه في وصفهم بهذه الحالة وما وصفهم بالعلم به
لعجبت من الحدثان كيف شاهدوا حق الحقيقة وكيف عرفوا حقيقة الحق.
قال الصادق :
هم يعلمون أن الحق غير موصوف بصفات الخلق ، أقرّوا باللسان بوحدانيته ، وآمنوا
بقلوبهم ، وعملوا ما أقرّوا به ، وعملوا لمن أقرّوا له بالربوبية علما بأنه لا
يستحق العبودية سواه.
قوله تعالى : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) : أمر الله سبحانه حبيبه صلىاللهعليهوسلم بالصفح عن الجاهلين بأن يعذرهم من حيث جهلهم بالله ،
ومن حيث إنه قهرهم وطردهم ، وبأنهم يعرفون خصائصه ، ومعنى قوله : (وَقُلْ سَلامٌ) أي : لاطفهم في دعوتك إياهم إليّ ، (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) قدرك بعد أن أعرفهم منازلك بتوفيقي لهم ، لعل فيض كرمي
يدركهم ، وهذا تأديب لدعاة الخلق إلى الحق.
قال ابن عطاء :
أعذرهم في جهلهم بحقك ، وتركهم لحرماتك ، وسلّم عليهم ؛ ليسلموا من توابع البلاء.
سورة الدخان
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(حم (١) وَالْكِتابِ
الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ
(٣))
(حم) : الحاء الوحي الخاص إلى محمد ، والميم محمد عليهالسلام ، وذلك الوحي الخاص بلا واسطة خبر من سرّ في سرّ ، لا
يطّلع على ذلك السر الذي بين المحب والمحبوب أحد من خلق الله ، ألا ترى كيف قال
سبحانه : (فَأَوْحى إِلى
عَبْدِهِ ما أَوْحى) ، وذلك إشارة إلى وحي السر