أسرار السابقين ، وبالقاف ظهر قاف كبرياء قدم ذاته وقيوميته صفاته للقائمين به في قربه عند ظهور قيامه عليهم ، وافهم أن الحروف على أوائل السور رموز الحق ، أخفى أسرارها عن غير أهلها ، ثم أخفى من تلك الخفيات هذه الأحرف على أوائل هذه السورة بأن رفع عن السين نقوش الشين ، فأراد بالسين الشين وبيان (حم) عشق أي : يحيى الأزلي ، وجمال الأبدي عشق العاشقون ، وأنا عشيقهم ، وبرمز العشق أخاطبهم ، حتى لا يطّلع على أحوالها أهل الرسوم فيهلكوا ، لأن من بين العاشق والمعشوق ارتفع حشمة الربوبية وكلفة العبودية في مقام المشاهدة ، ثم أقسم الحق بهذه النعوت أي : بحياتي يا حبيبي ومجدي وجمالي وملكي ومحبتي لك والأولياء أمتك يا محب يا محمد ، وبعلو شأني وعلمي المحيط وعزي وعياني ، وخلقي يا عارف يا عالم يا عالي الهمة يا عزيز ، وبسنائي وقدسي وسرمديتي ، وسبق وجودي على كل شيء ، يا صاحب سري ، ويا سبّاق كل سابق بالشرف والفضل والتقدم ، ويا سبّاح بحر قدسي وأنسى ومقدمي وقيوميتي وقيامي على كل شيء ، وبقولي الحق ، وبقدرتي القديمة ، وبقضائي وقدري ، وبعشقي يا عاشقي ، وبصدقي يا صادق ، إن هذه الإشارة قد أشرتها إليك ، كذلك أشرتها إلى أنبيائي قبلك وأوليائي وأهل خالصتي ، وذلك قوله : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣) : عزيز بعزي عززتك وعززت أوليائي ، وبحكمتي اصطفيتك واصطفيت أحبائي ، وأعطيتك وأعطيتهم حكمي ومعرفتي ، ومنعت عنك وعن أهل محبتي كيد الكائدين وغلبة الجاهلين.
قال ابن طاهر : الحاء من الحكيم ، والميم من الملك ، والعين من العالم ، والسين من السيد ، والقاف من القادر ، هو الذي (يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) : يوحى إليك أنباء من قد سلف من الأمم ، ويوحي إلى الذين من قبلك فضلك وفضل أمتك.
وقال أبو بكر الوراق : الحاء حلمه حليم ملكه ، والعين علوه وعلمه ، والسين سناؤه ، والقاف قدرته ، يقول : بحلمي وملكي وعلوي وعلمي وسنائي وقدرتي أني لا أعذّب من عرف ربوبيتي وأحسن ظنه فيّ وأحبّ الرجوع إليّ.
(تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ