(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠))
قوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) : وصف الله من لم يعرفه ولم يعرف لطائف برّه بأوليائه ويكون مقلدا في الدعاء ومعرضا بسرّه عنه وبظاهره عن طاعته ليس هو يدعوه بالحقيقة ، إنما يدعو مراده ، فإذا حصل مراده قام على تكلفه وتقليده ، وإن لم يحصل مراده ويمسه بلاؤه يفرّ منه ، ولا يدعوه ، ولو كان على محل التحقيق في دعائه ومعرفته بربه فإنه لا يفرّ من بلائه ، ولا يقنط من رحمته ؛ فإن العارف الصادق يستلذّ بلاءه ، كما يستلذّ نعمه في لسان الخلائق.
لنا فيه إشارة ؛ وذلك أن العارف المشتاق الذي من كمال شوقه يريد أن يشرب جميع بحار الأزل والأبد والربوبية والألوهية والذات والصفات المنزهة عن مباشرة الحدثان بشرية واحدة وهو لا يقدر ؛ لأنه تعالى منزّه عن أن يحيط به أحد من خلقه وإن كان نبيّا مرسلا ، فإذا وجد نفسه أنه يسهل عليها شربها على قدر مذاقها وزيادة يستقيم في طلبها ، وإذا نظر إلى امتناع الألوهية عن إدراكه ييأس ويقنط عن أن يدركه بالحقيقة ، وهذا إذا كان هو مطالعا في بطون الأزل وأكناف القدم وغيوب الأبد ، لو رأيته يا عاقل كيف يفرّ من الحق وهو غضبان عليه معربدا شطاحا بتكلّمه عن سرّ الانبساط ، ويخاصمه ، وهذا كله من حيرته في الله واشتياقه إلى درك الحقائق.
قال سهل في قوله : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ) : يملّ العبد من ذكر ربه وشكره وحمده والثناء عليه.
وقال أبو عمرو الدمشقي : لا يسأم العارف من مناجاة معروفه ، بل لا يصبر عنه لحظة ولا نفسا.
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢))
قوله تعالى : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) : رسم ظاهر الآية أن المضطرب في المعرفة إذا أنعم عليه من نعم الكرامات