الحق ، فلا يتحقق به إلا محقق.
(وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨))
قوله تعالى : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) (١) : هدى لعقول العارفين إلى معدنه ، وهو ذات القديم ، وشفاء القلوب العاشقين المشتاقين ، وأرواح مرضى المحبة وسقمى الصبابة ؛ لأنه حبيبهم ، وكتاب مشوقهم ، يستلذونه من حيث العبارات ، ويعرفونه من حيث الإشارات.
وقال جعفر : شفاء لمن كان في ظل العصمة ، وعمى على من كان في ظلمة الخذلان ، فكما وصف الله أهل خالصته وما يقع لهم بخطابه وصف المنكرين كلامه والجاحدين وجوده بأن في آذان قلوبهم وأسماع عقولهم وقر الخذلان والضلالة ، ولا يرون جمال خطابه بأن ليس في عيونهم أنوار لحمل مشاهدته ، ولا سنا عزّ هدايته بقوله : (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) ، إذا لم يروا جمال القرآن بنور الفهم والإيمان زاد طغيانهم بالإنكار عليه ؛ لأنهم في مكان الضلالة ، وهو بعيد من أن يسمعوا بوصف الفهم والإدراك والمتابعة.
قال ذو النون : من واقر سمعه ، وأصمّ عن نداء الحق في الأزل ، لا يسمع نداءه عند الإيجاد ، وإن سمعه كان عليه عمى ، ويكون عن حقائقه بعيدا ، وذلك أنهم نودوا عن بعد ، ولم يكونوا بالقرب.
__________________
(١) الضمير للقرآن ؛ يعنى أن الله تعالى هدى من استعد للإيمان إلى الإيمان بسبب القرآن ، كما دلّ عليه قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩] ؛ والمقصد هداية الله تعالى بسببه ، فوصفه بصفته ؛ لقوته في السببية.