تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) ، ووصف النبي صلىاللهعليهوسلم هؤلاء الملحدين وشبههم بالفراعنة ، وشبّه قلوبهم بقلوب الذئاب ، قال صلىاللهعليهوسلم : «يخرج في أمّتي أقوام لسانهم لسان الأنبياء وقلوبهم كقلوب الفراعنة» (١) ، وفي موضع آخر قال : «قلوبهم كقلوب الذئاب ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، أفتوا بغير علم ضلّوا وأضلّوا» (٢).
قال أبو عبد الله بن جلا : معنى هذه الآية إن الذين يخبرون عنا على غير سبيل الحرمة فإنه لا يخفى علينا جرأتهم علينا ، ونعذبهم في دعائهم.
وقال ابن عطاء في هذه الآية : إن المدعي عن غير حقيقة سيرى منا ما يستحقه من تكذيبه على لسانه وتفضيحه في أحواله.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣))
قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) : عزيز من حيث امتنعت أسراره عن تفهم الأفهام وإدراك الأوهام ؛ لأنه كنوز غيب الذات والصفات ، وهو صفات الأزلية ، مفاتيح كل صفة ، لا يدركه بالحقيقة عوض الفطن ، ولا تحويه الخواطر والذهن ، لا يزيله أباطيل الأولين ولا ترهات الآخرين ؛ لأنه لا يحل في الحدثان ، ولا يفارق عن ذات الرحمن ، فإذا كان الحق موصوفا به أزلا وأبدا فكيف تغيره الحوادث؟! وكيف تخلفه الأزمنة والدهور؟!
قال ابن عطاء : عزيز ؛ لأنه لا يبلغ أحد حقيقة حقه ؛ لعزّه في نفسه ، وعزّ من أنزله ، وعزّ من أنزل عليه ، وعزّ من خوطب به من أوليائه وأهل صفوته.
وقيل : البعد أوهام العباد عن حقيقته.
قال ابن عطاء : كيف يأتيه الباطل وهو الحقيقة ونزل من عند الحق؟! وهو كلامه ، فكيف يلحقه باطل وبه تتحقق الحقائق ، وبه تصحّ أحوال المتحققين؟! وهو الحق على كل الأحوال ، والباطل ضده ، فكيف يجتمع المتضادان وهما متباينان من كل الوجوه؟!
قال أيضا : كيف يكون لباطل عليه سبيل وهو من حقّ بدأ وإلى حقّ يعود؟! وهو
__________________
(١) هو من الأحاديث التي ذكرها المصنف في كتبه.
(٢) كسابقه.