وَرَبَتْ) (١) : كل قلب مستعدّ لقبول وبل المحبة والمعرفة ، فيكون بلا زرع الحكمة قبل نزول مطر لطفه ، فإذا وصل إليه بحر قرب الحق سبحانه اهتزّ بنبات الحقائق والدقائق ، وتبهج بنور الحكمة ، والمقامات السنية ، ورياض لطائف العلوم الإلهية التي نطق بها صاحبه بلسان الحق والحقيقة ، فأحيا بعبارتها وتعبيرها القلوب الميتة والصدور الخامدة ؛ فهو تعالى أحيا قلوب العارفين بنظره ، وبنظر العارفين يحيى قلوب المريدين ، وهم وسائل حياة القلوب من الحق للخلق ، كما أحيا الأرض الميتة بالمطر أحيا بهم قلوب العالمين ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى) ، فهذا المثل ضربه الله للمعتبرين بلطيف صنعه ونعيم لطفه.
قال عمرو بن عثمان المكي : إن لله تبارك وتعالى قلوبا في أوعية من الأجسام أودع فيها ودائع ، وأخفاها عن الخلق ، فإذا أنزل عليها مياه رحمته وبركات نظره استخرج ودائعه ، فعرّف القلوب محل تلك الودائع ، وأظهر على النفس بركاتها ، وألقى على الحق هيبة صاحبها ، فهو في هيبة عند الخلق وانكسار عند نفسه وشفقة ونصيحة للخلق وخوف دائم من ذنوبه ، وذلك من آيات الله الظاهرة ، وهو حقيقة قوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ) إلى قوله : (إِنَّ الَّذِي) أحيا تلك النفوس بتلك الودائع قادر أن يحيى ببركة نظره قلوبا غفلت عنه وأنفسا ماتت عن القيام بخدمته.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) : خوّف الله أهل الطامات الذين يديرون رؤوسهم عند العامة ويزعقون ويخرّقون ثيابهم ، ويجلسون في الزوايا ، ويتزهدون ، وينظرون في تصانيف المشايخ ، ويتقوّلون عليها ما يتخيلون ، ويتزخرفون عند العامة ، وينتظرون دخول الأمراء عليهم ، ويدّعون المكاشفة والأحوال والمواجيد ، لا يخفى على الله كذبهم وزورهم وبهتانهم ونياتهم الفاسدة وقلوبهم الغافلة ، وعلى أوليائه من الصديقين والعارفين الذين يرون خفايا قلوب الخلق بنور الله ، لو رأيتهم كيف يفتضحون يوم القيامة على رؤوس الأشهاد ، وترى أهل الحق ينظرون إلى الحق بأبصار نافذة نورية وأرواح شائقة وقلوب عاشقة ، (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) ، قال الله : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، ثم حذّرهم بقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٤٠) من الفتاوى بغير علم واستبداع الضلالة في دين محمد صلىاللهعليهوسلم ، قال الله : (وَلا
__________________
(١) (اهتزّت) أي : تحركت (وربت) انتفخت ؛ لأن النبات إذا دنا أن يظهر ارتفعت به وانتفخت ، ثم تصدّعت عن النبات ، وقيل : تزخرفت وارتفعت بارتفاع نباتها ، البحر المديد (٥ / ٤٠٧).