(وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨))
قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ) : أظهر الليل ؛ ليطلع على العاشقين صبح وصال جماله ، ويؤنسهم إلى مجالس مشاهدته وحجال أنسه ورياض قدسه ، وجعل النهار ؛ لظهور أنوار صفاته في لباس آياته ، وليشرفهم على رؤية نيرات ملكوته وجبروته ، خلق الشمس والقمر مرآتين ، يتجلى من مرآة الشمس للناظرين إليه والعارفين به من أنوار ذاته ، ويتجلى من مرآة القمر للعاشقين من سنا صفاته ، ثم حذرهم أن يلتفتوا إلى الوسائط ، وحثّهم على أن يرجعوا إليه بالكلية كالخليل في أوائل مقام الالتباس ، (قالَ هذا رَبِّي) ، فإذا عزم الأمر وبلغ صرف الرؤية قال : (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.)
قال عبد العزيز المكي في هذه الآية : سبحان الذي من عرفه لا يسأم عن ذكره! سبحان الذي من أنس به استوحش من غيره! وسبحان الذي من أحبّه أعرض بالكلية عما سواه! ثم أكد التخويف عليهم في وقوفهم على الوسائط ، (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) (٣٨) ، وصف المتمكنين من الكروبيين والعارفين من أهل الملكوت بأنهم مستغرقون في بحار ربوبيته ، يسبحون فيها بلذائذ الأذكار والأفكار لمزيد الكواشف وأنوار المعارف ، يتجردون عن الأكوان والحدثان في جمال الرحمن ، يستأنسون به ، لا يسأمون منه ؛ إذ الأنس والوحشة منفيان عن ساحة كبريائه ، وهذا شكاية عن المحجوبين به عنه.
قال أبو عثمان : إن الله مستغن عن عبادة عبيده ومجاهدتهم ؛ فإن لله عبادا من الملائكة لا يفترون عن عبادته دائما أناء الليل والنهار ، ولم يذكرهم ، ولم يجعل لعبادتهم جزاء ولا قيمة.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠))
قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ