قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٣٣) أي : ممن عرف الله بعد أن رآه وأحبه واشتاقه ، وعشق به ودعا الخلق إليه من حيث هو فيه وصدقه في حاله ، يدعو الخلق إلى الله بلسان الأفعال وصدق المقال وحلاوة الأحوال ، ويذكر لهم شمائل القدم وخلق الربوبية ، ويعرفهم صفات الحق وجلال ذاته ، ويحبب الله في قلوبهم ، وهذا عمله الصالح ، ثم يقول بعد كماله وتمكنه إنني واحد من المسلمين من تواضعه ولطف حاله خلقا وظرافة ، وإن كان إسلامه من قصارى أحوال المستقيمين.
قال سهل : أي : ممن دلّ على الله وعلى عبادة الله وسنة رسول الله واجتناب المناهي وإدامة الاستقامة مع الله.
وقال حسن بن أبي الحسن البصري : هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحب الخلق إلى الله ، أجاب الله دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته ، وعمل صالحا في إجابته ، وقال إنني من المسلمين ، هذا خليفة الله.
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤))
قوله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : بيّن الله سبحانه ههنا أن الخلق الحسن ليس كالخلق السيئ ، وأمرنا بتبديل الأخلاق المذمومة بالأخلاق المحمودة ، وأحسن الأخلاق الحلم ؛ إذ يكون به العدو صديقا والبعيد قريبا ، حين دفع غضبه بحلمه وظلمه بعفوه وسوء خاتمته بكرمه ، وفي مظنة الخطأ أن من كان متخلقا بخلقه متصفا بصفاته مستقيما في خدمته صادقا في محبته عارفا بذاته وصفاته ليس كالمدعي الذي ليس في دعواه معنى.
قال ابن عطاء : لا يسوّي بين من أحسن الدخول في خدمتنا والخروج منها وبين من أساء الأدب في الخدمة ؛ فإن سوء الأدب في القرب أصعب من سوء الأدب في البعد فقد يصفح عن الجهّال الكبائر ، ويأخذ الصديقين باللحظ والالتفات.
وقال الأستاذ : أي : ادفع بالخصلة التي هي أحسن السيئة يعني بالعفو عن المكافآت بالتجاوز والصفح عن الزلة.
(وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦))
قوله تعالى : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) : بيّن الله